تأجيل مجالس الفاتحة في محرم.. بين احترام عاشوراء ومراعاة الأسر

يُعدّ شهر محرم الحرام، وخاصةً الأيام العشرة الأولى منه، فترة ذات أهمية دينية عظيمة في المجتمع الشيعي، حيث تُقام مراسم عاشوراء لإحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين بن علي وأهل بيته .
ففي مدينة القطيف، يتبع الأهالي تقليدًا قديمًا بتأجيل إقامة مجالس العزاء على موتاهم خلال الأيام الثلاثة عشرة الأولى من شهر محرم ولكن هذا التقليد ليس متفقًا عليه بشكل كامل حيث يختلف قليلا في مدينة صفوى وذلك برفع مجالس الفاتحة منذ اليوم السابع.
ولكن هذا التقليد يثير نقاشًا بين مختلف فئات المجتمع، فبينما يرى البعض ضرورة احترام عاشوراء وتفادي تداخل مناسبات العزاء الشخصية مع الشعائر الدينية العامة، يعتقد آخرون أن تأجيل العزاء لفترة طويلة قد يزيد من معاناة الأسر المفجوعة.
من جانبه، أوضح عبدالله البيابي، أن هذا التقليد يعود إلى رغبة الأهالي في احترام ذكرى عاشوراء وتفادي تداخل مناسبات العزاء الشخصية مع الشعائر الدينية العامة.
وقال: ”عاشوراء ليس مجرد حدث تاريخي، بل هو جزء من الهوية الدينية للمجتمع الشيعي. لذا، فإن تخصيص الأيام الأولى من محرم لإحياء ذكرى الإمام الحسين يعكس عمق الولاء والاحترام لهذه المناسبة العظيمة“.
وقال ”الإسلام دين يراعي الأحوال الشخصية ولا يفرض قيودًا زائدة على الأمور الاجتماعية. إقامة العزاء حق للمؤمنين ولا ينبغي تأجيله إلا إذا تعارض مع الشعائر الكبرى“.
من ناحية اجتماعية، أشارت القارئة الحسينية فاطمة البراهيم، إلى أن تأجيل العزاء يعكس وحدة المجتمع وتكاتفه في مناسبات الحزن الجماعي.
وقالت: ”الأيام الأولى من محرم تحمل أجواءً من الحزن العميق، ويتجسد هذا الحزن في المجالس الحسينية التي توحد الناس حول قضية واحدة. تأجيل العزاء الشخصي يعزز من هذه الوحدة ويؤكد على الأولوية الجماعية“.
وعلى النقيض، ترى المختصة الاجتماعية فاطمة الزين، أن المجتمع يجب أن يكون مرنًا في تعاملاته الاجتماعية. مضيفة: ”تأجيل العزاء لفترة طويلة قد يزيد من معاناة الأسر التي فقدت أحبائها. العزاء ليس مجرد واجب ديني، بل هو أيضًا دعم نفسي واجتماعي للأسر المكلومة“.
وتُشارك أم حسين - من جزيرة تاروت، تجربتها الشخصية قائلة: ”عندما فقدنا أحد أقاربنا في بداية محرم، قررنا تأجيل العزاء حتى نهاية الأيام الأولى احترامًا لعاشوراء. نشعر أن هذا يعبر عن احترامنا لتقاليدنا الدينية ويعزز من تضامننا كمجتمع“.
وقال محمد العمران، من سكان الأحساء: ”عندما توفي احد اقاربنا في بداية محرم، لم نستطع الانتظار حتى نهاية الثلاثة عشرة يومًا لإقامة العزاء. العزاء ساعدنا على تخفيف حزننا وشعرنا بدعم المجتمع. نحن نحترم عاشوراء، لكن أيضًا نحترم حقوق الأسر المفجوعة.“
أم علي، من مدينة صفوى، تشير إلى أن إقامة العزاء لا يتعارض مع إحياء ذكرى عاشوراء إذا تمت بشكل لائق ومحترم. مضيفة: ”في نهاية المطاف، كلٌ منا له حق في العزاء والحداد على أحبائه. يمكننا التوازن بين احترام عاشوراء وإقامة العزاء“.
من منظور نفسي، أشارت المختصة النفسية زهراء آل طالب، إلى أهمية إقامة العزاء فورًا بعد الوفاة لتخفيف الحزن والتوتر الذي تعاني منه الأسرة.
وقال: ”العائلة التي تفقد عزيزًا عليها تعيش في حالة من الحزن الكبير والتوتر النفسي. تأجيل العزاء لعشرة أيام إضافية قد يزيد من معاناتهم النفسية. إقامة العزاء فورًا يساعد في تنفيس الحزن وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي اللازم للأسر المكلومة“.
وقال حسن مكي - صاحب مجلس حسيني - أن السبب الرئيسي وراء تأجيل العزاء في الماضي كان قلة المجالس الحسينية وقلة الخطباء الحسينيين. مضيفا: ”في الماضي، كان هناك مجلس حسيني واحد أو مجلسين في كل حي، ولم يكن هناك مجال لإقامة مجالس العزاء للموتى خلال أيام عاشوراء بسبب ازدحام المجالس. الآن، مع توفر العديد من المجالس الحسينية والمساجد في كل حي، لم يعد هناك داعٍ لتأجيل العزاء.“