آخر تحديث: 26 / 4 / 2025م - 2:28 م

التوتر والقلق بين الكسل والنشاط: ”رؤية علمية ودينية“

سامي آل مرزوق *

نتيجة لعوامل متعددة، أصبح القلق والتوتر من أبرز المشكلات النفسية المعاصرة، وذلك بسبب التغيرات السريعة في أنماط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية، مما أثر بشكل مباشر على جودة حياة الفرد وصحته العامة. وتنعكس هذه التحديات على مختلف شرائح المجتمع.

وفي هذا المقال المختصر، سنسلط الضوء على كيف يتغذى التوتر والقلق من الكسل والخمول وضعف النشاط الذهني والبدني، وتأثير ذلك على الصحة النفسية والجسدية.

أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن قلة النشاط البدني تؤثر مباشرة على وظائف الدماغ، وتقلل من إفراز الهرمونات المسؤولة عن تحسين المزاج وتقليل التوتر، مثل هرمون السيروتونين ”هرمون السعادة“، وهرمون الدوبامين ”هرمون المكافأة“، وهما من أهم النواقل العصبية التي تلعب دورًا رئيسيًا في تنظيم المزاج والتحكم في المشاعر والسلوك. في المقابل، يعزز النشاط والعمل المنتظم من إفراز هذه الهرمونات، مما يساعد على تحسين المزاج والتخفيف من الضغوط النفسية.

ومن المدهش أن ما توصل إليه العلم، أكّده الإسلام منذ قرون، حيث دعانا إلى الحركة والسعي والعمل. قال تعالى في سورة التوبة، الآية 105:

”وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ...“

فالآية توجيه واضح بأهمية العمل والابتعاد عن الكسل، لما في ذلك من أثر عظيم على الفرد نفسيًا وجسديًا.

ورُوي عن النبي محمد ﷺ:

”إن الله يحب العبد المحترف“ «رواه الطبراني في المعجم الأوسط - الكافي ج 5 ص 113»،

وورد عن الإمام علي قوله:

”إن يكن الشغل مجهدة، فالفراغ مفسدة“ «نهج البلاغة، حكمة 382».

كما قال الإمام جعفر الصادق :

”إياكم والكسل، فإنه يورث الهم“ «تحف العقول، ص 375».

علميًا، أكدت دراسة نُشرت في مجلة Psychosomatic Medicine, وهي مجلة محكمة تعنى بالعلاقة بين العوامل النفسية والجسدية، أن الأشخاص الذين يمارسون النشاط البدني بانتظام يتمتعون بمستويات أقل من القلق والتوتر مقارنة بمن يعانون من قلة الحركة.

ويرى الدكتور جون راتي، أستاذ الطب النفسي في جامعة هارفارد، أن ”ممارسة الرياضة ليست مجرد نشاط جسدي، بل هي علاج فعّال للاضطرابات النفسية، إذ تحفّز الدماغ على إفراز مواد كيميائية طبيعية تقلل من التوتر والقلق“.

ولا يتوقف أثر الكسل عند الصحة النفسية فقط، بل يمتد ليشمل الجانب الجسدي، حيث يرتبط قلة النشاط بارتفاع معدلات الإصابة بأمراض القلب، والسمنة، وارتفاع ضغط الدم، وهي بدورها عوامل تزيد من حدة القلق والتوتر.

القلق والتوتر مشكلتان معقدتان يتغذيان على الكسل والسلبية، ويؤثران سلبًا على الجسد والعقل معًا. فحين يستسلم الإنسان للخمول، يزداد التفكير السلبي وتتفاقم مشاعر القلق، مما ينعكس سلبًا على صحته النفسية والبدنية. في المقابل، يسهم النشاط والعمل في تحسين الحالة المزاجية وتعزيز الطمأنينة.

ولتحقيق التوازن النفسي والجسدي، لا بد من تبني نمط حياة نشط، يشمل تنظيمات، وممارسة الرياضة بانتظام، وتعزيز الروابط الاجتماعية، والانخراط في أنشطة هادفة، مع الحرص على الالتزام بالعبادات والتأمل الروحي، لما لها من أثر كبير في تحفيز هرمونات السعادة.

الخلاصة أن الفرد المنتج والفعال هو الأكثر قدرة على مواجهة تحديات الحياة بثقة وإيجابية، بينما يؤدي الكسل إلى ضياع الطاقات وتفاقم المشكلات. لذا فإن اتخاذ خطوات عملية نحو النشاط والعمل ليس ترفًا، بل ضرورة من ضرورات الحياة الصحية المتوازنة.