خصوصية المريض خط أحمر.. خبراء يحذرون من الانتهاكات الأخلاقية بالمهن الصحية

في ظل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد تسريب المعلومات الخاصة بالمرضى أو تداول صورهم مجرد حوادث فردية أو ظاهرة هامشية، بل تحول إلى مصدر قلق متزايد يرصده المختصون في مجالي القانون والأخلاقيات الطبية.
ويحمل هذا السلوك في طياته انتهاكًا صارخًا لكرامة الإنسان ومخالفة صريحة لمبادئ وأخلاقيات المهنة الطبية، بل يصل، كما يؤكد المختصون، إلى حد الجريمة التي تستوجب العقاب وفقًا للأنظمة المعمول بها في المملكة.
ومن منظور أخلاقي، يؤكد أستاذ طب الأسرة وأخلاقيات الطب بجامعة الملك سعود، الدكتور جمال الجارالله، أن خصوصية المريض ليست مجرد حق مكتسب، بل هي قيمة إنسانية وأخلاقية أساسية يجب الحفاظ عليها دون أي تساهل.
وأعرب الدكتور الجارالله عن أسفه لوجود تساهل ملحوظ في احترام هذه الخصوصية من قبل بعض الممارسين الصحيين، الذين قد يتعاملون مع المريض وكأنه تابع لهم، ويتجاوزون الحدود بالحديث عن حالته الصحية دون تحفظ، أو حتى بنشر تفاصيل دقيقة في مجالس العمل أو عبر الوسائل العامة.
ويرى أن هذا الانتهاك يعكس نقصًا في الفهم العميق لمعنى الأخلاق الطبية التي يجب أن تنبع من داخل الإنسان وتضبط سلوكه، مشددًا على أن التقوى هي جوهر الأخلاق.
ووجه الدكتور الجارالله رسالة مباشرة للممارسين الصحيين مفادها أن المريض ليس ملكًا لهم، ولا يحق لهم استغلال وضعه أو مشاركة بياناته أو صوره بدعوى المعرفة بمصلحته، مؤكدًا على وجوب الحصول على إذن واضح ومبرر علمي حقيقي لأي استخدام لمعلومات المريض أو صوره.
وأشار إلى أهمية مرجع ”أخلاقيات الممارس الصحي“ الصادر عن الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، والذي يضع قواعد واضحة للتعامل مع المريض، لافتًا إلى أن عدم اطلاع بعض الممارسين عليه يمثل فجوة معرفية رغم كونه جزءًا من اختبارات التقييم المهني.
وأكد أن الممارسة المهنية يجب أن ترتكز على الصدق والأمانة وتحقيق مصلحة المريض دون إضرار، مع احترام كرامته بغض النظر عن خلفيته.
ومن الناحية القانونية، يقدم المستشار القانوني والمحامي في قضايا الأخطاء الطبية، الدكتور حمد الرزين، رؤية حاسمة، موضحًا أن إفشاء أسرار المرضى أو تصويرهم دون إذن يعتبر مخالفة صريحة لعدة أنظمة سعودية.
ويشمل ذلك نظام مزاولة المهن الصحية الذي يفرض عقوبات مالية قد تصل إلى عشرات الآلاف من الريالات، ونظام مكافحة جرائم المعلوماتية الذي يجرم إساءة استخدام وسائل الاتصال ويعتبر استخدام الهاتف المزود بكاميرا لانتهاك الخصوصية ”جريمة موصوفة“.
كما أن نظام المطبوعات والنشر يمنع نشر معلومات طبية خاصة حتى في المنشورات العلمية دون موافقة المريض.
وشدد الدكتور الرزين على أن البيانات الصحية حساسة وتعد جزءًا لا يتجزأ من كيان المريض، واستخدامها لأغراض علمية أو بحثية يتطلب موافقة خطية صريحة مع إخفاء هوية المريض تمامًا.
وأكد بشكل قاطع أن استخدام هذه البيانات أو الصور لأغراض دعائية أو تسويقية يعد مخالفًا للقانون حتى لو وافق المريض على ذلك.
وانتقد ممارسة بعض العيادات الخاصة التي تنشر صورًا للمرضى قبل وبعد الإجراءات الطبية بهدف الترويج، مؤكدًا أن ”إخفاء الملامح“ لا يبرر النشر قانونًا، فالإذن يجب أن يكون صريحًا ولغرض علمي بحت.
وأشار إلى أن حتى المستشفيات التعليمية الكبرى، كمستشفى الملك فيصل التخصصي، تتبع بروتوكولات صارمة لحماية خصوصية المرضى عند استخدام بياناتهم للأغراض التعليمية.
وأضاف الرزين أن قضايا انتهاك الخصوصية تنظر عادة أمام القضاء المدني ضمن الأخطاء الطبية، لكنها قد تحال للقضاء الجزائي إذا تضمنت أفعالًا ترقى إلى الوصف الجنائي.
واختتم حديثه بالتأكيد على الأهمية القصوى لرفع مستوى الوعي بمخاطر هذه الانتهاكات لدى الممارسين الصحيين والمرضى على حد سواء، داعيًا المؤسسات الصحية إلى تبني سياسات داخلية صارمة تضمن الالتزام الكامل بالقوانين والأخلاقيات المهنية.