آخر تحديث: 26 / 4 / 2025م - 2:28 م

زمالة بلا مودة، هل تكفي؟

هاشم الصاخن *

في الحياة، لا نسير وحدنا؛ وإنَّما ثمَّة من يجاورنا في المهنة، أو يشاركنا المسار، أو يقف معنا في نفس السَّاحة، ويحمل همًّا شبيهًا، أو يسعى لغاية قريبة، وقد لا نختار دائمًا من يزاملنا في الطريق؛ لكننا نُطالب دومًا باختيار الطريقة التي نعاملهم بها. فهل يكفي أن نؤدِّي أدوارنا ونعبِّر بصمت؟

أم أنَّ لرفقة الطريق أدبًا خاصًا، واحترامًا يليق بالمشترك بيننا؟

إنَّ الزمالة، حين تخلو من اللياقة، تُولّد احتكاكًا خفيًّا، وأحيانًا جفاءً لا يُقال؛ لكنه يُشعر. وقد يكون ما بعد النجاح، في غياب الاحترام، فشلًا غير مرئي… فشلًا في حفظ الجميل، وفي إدراك أن من سار معنا، ويستحق منَّا شيئًا أكثر من التقدير العابر.

نحن لا نسير في الطريق وحدنا؛ بل نعيش في فلك الزمالة، سواء كنا ندرك ذلك أو نتجاهله. وفي هذا الفلك، هناك من ينافس بشرف، ومن يحاول سلب الشرف بخداعٍ أو خديعة. وهناك من يتقدَّم بثقة، ومن يزاحم بتكسير المجاديف. ومع اختلاف الطرق والأساليب، تظل الزمالة رابطة معنوية تجمع من يسيرون في ذات الدرب، لا بالمكان فقط، بل بالهمِّ والطموح والرسالة.

الزمالة ليست حكرًا على الموظفين أو شركاء المكاتب؛ بل تشمل الفضلاء من أهل العلم والدين، والعاملين في السلك التطوعي والاجتماعي، كما تشمل النقاد، والأدباء، والتجار، وأهل الكلمة، وأهل المنبر، وأهل التجارة، وكلُّ من يشتغل في ساحة واحدة مع آخرين، دخل تلقائيًا في اختبار الزمالة، وإن لم يوقّع على ذلك صراحة.

ومن صور الزمالة أن ترى داعية يختار أن يُثني على زميله، على الرغم من اختلاف أسلوبه؛ لأنَّه يرى في عمله خيرًا عامًا، ويحفظ له جهده بدل أن يُحذّر منه، أو ترى شاعرًا كبيرًا يُقدّم شاعرًا صاعدًا على منصة، بدل أن يخشى مزاحمته، أو ترى تاجرًا، حين يُسأل عن منافسٍ له، يرد بعبارة: ”رجل محترم. وأسأل الله له البركة“. هذه العبارات البسيطة، في وقتٍ تشتد فيه نيران الحسد والمنافسة، هي قمَّة الفروسيَّة.

في المقابل، حين يتحوَّل الزميل إلى خصم، أو يُختزل في زلة، أو يُحاصَر بالسخرية، فنحن لا نفقد فقط أخلاق الزمالة، بل نفتقد الاحترام للذات. ولا يجوز أن يُهدَر حق زميل بالكلام الجارح، أو أن توضع العراقيل عمدًا في طريقه، أو تُشوَّه صورته أمام الناس، أو يُنسف تاريخه برعونة.

كم من شخصية مرموقة تم تشويهها بخبر كاذب سربه زميل، وكم من عمل خيّر أُفشل؛ لأن أحد الزملاء أطلق شائعة، أو أوحى بأن خلفه نية سيئة.

في زمن امتلأت فيه الساحات بالضجيج، وأصبحت المهنة أو الخطاب أو السوق مزدحمة بالأصوات، صار الواجب أن نُربي أنفسنا على احترام من يُشبهوننا، حتى لو لم نحبهم. فالفشل الحقيقي ليس ألَّا نتفوق؛ بل أن ننجح على حساب الكرامة، أو نحقق الرضا الخارجي ونحن نخسر ذواتنا وأخلاقياتنا في الداخل.

اللياقة الأدبية ليست ترفًا ولا مجاملة؛ بل هي ضرورة تحمي الكرامة في بيئات يكثر فيها الاحتكاك وتتشابك فيها الأدوار، وأن تختلف مع زميلك دون أن تهمشه، وأن ترد على خطئه دون أن تسحقه، وأن تتفوق دون أن تُشهّر به، كلُّ ذلك من اللياقة التي تحفظ لك وللآخرين مساحة إنسانيَّة راقية، ومن لا يُحسن لياقة الزمالة، لا يليق به أن يكون في طريق جماعي أصلًا.

وفي النهاية... ليست الزمالة مجرد عبور مشترك في طريق العمل أو الهمّ أو التأثير؛ إنَّها امتحان أخلاقي مستمر، يظهر في طريقتك مع من يشبهونك، فإن لم تستطع أن تُنصفهم، فلا تظلم، وإن لم تُحبهم، فلا تَحقر، وإن لم تُثنِ عليهم، فلا تُسقطهم، وفي زمن التزاحم، ما أجمل أن تكون زميلًا لا يُخشى شرَّه، ولا يُنسى وفاؤه.

سيهات