آخر تحديث: 25 / 4 / 2025م - 10:38 م

تأرجح.. تذبذب.. هبوط

رائدة السبع * صحيفة اليوم

وأنا في طريقي إلى العمل، متجهة نحو المقهى لشراء قهوتي الصباحية، لفت انتباهي - كما في كل صباح - رجل أنيق يجلس عند النافذة ذاتها. لا يحمل حاسوبًا، ولا يبدو مشغولًا بمكالمة عمل، بل يحتسي قهوته بهدوء، وابتسامة وادعة تستقر على ملامحه. يشعّ منه هدوء غريب، كأنه أنهى سباق الحياة مبكرًا واختار التقاعد لا من العمل فحسب، بل من الركض اليومي وراء المجهول.

ويبدو أنه لا يستثمر في الأسهم، بل يملك ملاذًا آمنًا من نوع آخر—ملاذًا لا تبلغه تقلبات السوق، ولا تهزه أخبار الاقتصاد.

في وقت تتأرجح مؤشرات السوق بين صعودٍ حذر وهبوطٍ مفاجئ، وتتعالى أصوات المحللين، كان هذا الرجل يعلّمنا درسًا صامتًا: هناك استثمارات لا تُقاس بالأرقام، ولا تُدرج في قوائم التداول.

السعادة، مثلها مثل الذهب، عملة نادرة. لكنها على عكسه لا تُخزن في خزائن البنوك، بل في تفاصيل صغيرة؛ ابتسامة عابرة، فنجان قهوة هادئ، أو لحظة سلام داخلي وسط عالم مضطرب.

تشير دراسة أوروبية إلى أن عامًا واحدًا من الركود قد يمحو آثار خمس سنوات من النمو على شعور الأفراد بالرضا. ومع ذلك، هناك من يبقون ثابتين في وجدانهم، لأنهم ببساطة استثمروا في الداخل، لا في الخارج.

في الاقتصاد، تُنصح بتنوّع محفظتك الاستثمارية لتقلل من المخاطر. وفي الحياة، كذلك. من يستثمر كل طاقته في العمل فقط، أو في علاقة واحدة، أو في امتلاك الأشياء، يعيش معرضًا للانهيار عند أول خسارة.

أما من ينوع «محفظته العاطفية» فهو الأذكى: يوزع استثماراته بين الضحك العفوي، والمشي في الطبيعة، وصداقة لا ترتبط بمصلحة، وامتنان يومي لا يتأثر بتقارير الطقس أو السياسة.

هؤلاء، وإن تذبذبت الأسواق، تبقى قلوبهم مستقرة.

تشير دراسة في مجلة «Intereconomics» إلى أن الركود الاقتصادي يضرب شعور السعادة بقوة مضاعفة مقارنة بأثر النمو الاقتصادي. سنة واحدة من التراجع كفيلة بمحو مكاسب خمس سنوات. لكنّ السعادة ليست دومًا مرهونة بحركة الأسواق، بل بطريقة التفسير والتأقلم.

أما على مستوى الأفراد، فقد وجدت مؤسسات ك «Gallup» و»Harvard» أن الموظفين السعداء أكثر إنتاجية بنسبة تصل إلى عشرين %، وشركاتهم تحقق عوائد أعلى وأداءً ماليًا أفضل.

في بورصة الحياة، السعادة هي السهم الوحيد الذي لا يهبط. فاستثمر فيها، حتى لو كانت في أبسط الأشياء، وستجد أنك ربحت أكثر مما توقعت.

ومضة:

في عالم المال، لا يمكننا تغيير الرياح، لكن يمكننا تعديل شراعنا. أندرو كارنيجي