”زيوت الموت البطيء“.. غش تجاري يهدد محركات السيارات و”التجارة“ تتوعد

في عملية تبدو روتينية لملايين السائقين، يمثل تغيير زيت السيارة في أحد المراكز المنتشرة بالمملكة خطوة ضرورية للحفاظ على المركبة.
لكن وراء واجهة الخدمة السريعة والأسعار التنافسية أحيانًا، تختبئ واحدة من أخطر صور الغش التجاري التي لا تهدد سلامة المحركات فحسب، بل تستنزف أموال المستهلكين وتزيد من مخاطر الأعطال المفاجئة على الطرقات.
وحذر خبراء متخصصون ومسؤولون حكوميون من تفاقم ظاهرة ترويج زيوت المحركات المغشوشة أو المعاد تكريرها بطرق بدائية، والتي تباع في عبوات مقلدة تحمل أسماء علامات تجارية عالمية ومحلية موثوقة.
وكشف خبير تأسيس وإدارة مراكز خدمات السيارات، سامي السعيد، في تصريحات إعلامية، أن سعي بعض المستهلكين للتوفير المادي عبر شراء زيوت غير معتمدة من وكالات سياراتهم قد يقودهم إلى تكبد خسائر فادحة تفوق أضعاف ما اعتقدوا أنهم وفروه.
ووصف السعيد انتشار الغش في سوق زيوت المركبات بأنه ”مصيبة حقيقية نعيشها يوميًا“، مشيرًا إلى أن هذه الزيوت المغشوشة، التي غالبًا ما تفتقر إلى عمليات التكرير والمعالجة الكيميائية اللازمة، لا توفر الحماية المطلوبة لأجزاء المحرك الحساسة من التآكل والاحتكاك، مما يهدد بانهيار المحرك ويرفع احتمالات وقوع الحوادث.
من جهته، أكد المهندس عبد الرحمن سمكري، كبير مدربي المحركات والمركبات بإحدى الشركات الكبرى، على أن أفضل ضمانة للمستهلك لتجنب الوقوع في فخ الزيوت المغشوشة تكمن في الشراء المباشر من وكالات السيارات المعتمدة أو المراكز ذات السمعة الموثوقة.
وأوضح سمكري أن المحتالين بلغوا درجة عالية من الحرفية في تقليد العبوات الأصلية، باستخدام ملصقات وأغطية حرارية وتصاميم تجعل التفريق بين المنتج الأصلي والمزيف شبه مستحيل على المستهلك العادي.
وحذر من أن استخدام الزيوت المغشوشة يسبب مشاكل متلاحقة وخطيرة في المحرك وناقل الحركة ”الجيربوكس“، تبدأ بأصوات غير طبيعية وقد تنتهي بتوقف المركبة بشكل كامل ومفاجئ.
وشدد على أهمية طلب فاتورة رسمية ومفصلة توثق عملية الشراء ونوع الزيت المستخدم كضمانة وحق للمستهلك.
وفي دلالة على حجم الظاهرة وجهود الدولة في مكافحتها، كشف رشيد الناصر، مدير عام مكافحة الغش التجاري في وزارة التجارة، عن تكثيف الوزارة لحملاتها الرقابية على سوق زيوت المركبات وتحقيق نتائج ملموسة خلال عام 2024 ومطلع العام الجاري 2025.
واستعرض الناصر تفاصيل إحدى أبرز الضبطيات التي تمت في محافظة الخرج مؤخرًا، حيث تم اكتشاف موقع سري داخل حوش مخصص لتربية المواشي، يُستخدم كوكر لتصنيع وتعبئة الزيوت المغشوشة.
وأسفرت المداهمة عن ضبط كميات هائلة تجاوزت 600 برميل من الزيوت المعاد تكريرها، تُقدر بنحو 162 ألف لتر، بالإضافة إلى أكثر من 5000 عبوة فارغة مجهزة للتعبئة تحمل علامات تجارية مقلدة، وأكثر من 4000 غطاء و 3000 ملصق مزيف، وأغطية حرارية تستخدم لإحكام إغلاق العبوات المقلدة.
وأكد الناصر ضبط عمالة مخالفة تدير هذا النشاط الإجرامي، مشيرًا إلى أن هذه القضايا يتم إحالتها فورًا إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات النظامية، والتي تشمل عقوبات صارمة قد تصل إلى السجن لمدة ثلاث سنوات، وغرامات مالية تقدر بملايين الريالات، بالإضافة إلى مصادرة وإتلاف المنتجات المغشوشة، وإبعاد العمالة المخالفة، والتشهير بالمخالفين في وسائل الإعلام لردع الآخرين.
وشدد الناصر على أن وعي المستهلك يمثل خط الدفاع الأول في مواجهة هذه الظاهرة، مؤكدًا على ضرورة مطالبة المستهلك دائمًا بالحصول على فاتورة ضريبية إلكترونية مفصلة عند تغيير زيت السيارة. ويجب أن تتضمن الفاتورة بوضوح اسم المنتج، الكمية، السعر، والعلامة التجارية للزيت المستخدم.
واعتبر أن امتناع أي ورشة أو مركز خدمة عن إصدار فاتورة رسمية يعد مؤشرًا مقلقًا للغاية يثير الشبهات حول جودة المنتج المستخدم، داعيًا المستهلكين إلى عدم التردد في الإبلاغ عن مثل هذه الحالات فورًا عبر تطبيق ”بلاغ تجاري“ أو من خلال قنوات التواصل المباشرة مع الوزارة.
وأكد الناصر على وجود تنسيق مستمر وفعال بين وزارة التجارة والجهات الحكومية الأخرى ذات العلاقة، كهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، وهيئة المواصفات والمقاييس والجودة، بالإضافة إلى إمارات المناطق، بهدف تتبع المنتجات المقلدة وتطهير السوق منها.