المرحوم الحاج معتوق العسيف.. كما عرفه الناس
”ابن عمي“...
كلمة كان يرددها المرحوم الحاج معتوق «أبو محمد» وهو يمازح ابن عمه بمودة،
لكنها لم تكن مجرد نداء عابر، بل كانت تختزن في حروفها محبة وصلة، ودفئًا نادرًا لا يُشترى.
كان يقولها في المجالس بصوته الحنون، مرارًا:
”أهلاً ابن عمي... أهلاً ابن عمي“،
وكأنها كانت شيفرة قلبه، وتوقيعه الخاص في دفتر الحياة.
لقد عرفه الجميع رجلًا موصولًا بأرحامه، كريم النفس، حاضرًا في كل مناسبة:
في الأفراح كان وجهًا باسمًا يُبشّر بالفرح،
وفي الأحزان كان كتفًا يسند، وكلمةً تُواسي، وروحًا تمسح الألم.
كان تمثيلًا حيًا لقول الإمام الصادق :
”صِلُوا أرحامَكم، وبَرّوا بإخوانِكم، ولو بحُسنِ السلامِ ورَدِّ الجواب.“
وكانت المجالس محطّ روحه، وموطن قلبه:
مجلس العباس، مجلس الرمضان، مجلس الجزيّر...
فيها يلتقي الأحبة، وتُروى الحكايات، وتُضاء الذاكرة بندى حضوره.
كل مجلس شهد له، وكل زاوية احتفظت ببصمته.
ولم يكن قريبًا فحسب، بل كان جارًا يُقتدى به...
تجلّت في سيرته وصية المصطفى ﷺ:
”أحسن مجاورة من جاورك، تكن مؤمنًا.“
فكان لجيرانه أخًا وصديقًا وسندًا، يدخل القلوب قبل أن يطرق الأبواب، ويزرع في الأحياء طمأنينة، وفي الأرواح ألفةً لا تُنسى.
أما في الكدّ والسعي، فقد كان مثالًا نادرًا للكادّ على عياله.
منذ نعومة أظفاره، حمل بيمينه مهنة القصابة، ورافقته تربية المواشي بين المزارع والدكاكين.
لم يعرف الراحة إلا في رضا الله، ولا استراح إلا عندما يطمئن أن خبز أسرته من تعبٍ حلال.
عرفه أهل الجارودية وأهل الملاحة بتعامله الراقي، وأمانته، وابتسامته التي تسبق كلامه.
كان الناس يرونه ويستبشرون، ويشترون منه كما يشترون من رجل صدوق،
لا يغش، ولا يساوم على قيمه.
وكان صادقًا في ترجمته لحديث النبي ﷺ:
”إن الله يحب أن يرى عبده تعبًا في طلب الحلال.“
فتعبه لم يكن مشقة، بل عبادة تُرفع من الأرض إلى السماء،
تُبارك بها خطواته، ويُضاء بها رزقه.
أما من عملوا معه، فقد عرفوه أبًا لا مديرًا، يُعاملهم بعين المحبة، وقلب الوالد، فإذا ضاق الحال بأحدهم، لم ينتظر أن يُقال له:
بل كان يفهم الصمت، ويسبق الحاجة بالعطاء.
كانت يداه كريمتين في البذل، خفيّتين في الفعل،
لا يعلن عن خيره، لكن أثره باقٍ في قلوب من عرفوه.
كم من ضائقة فرّجها، وكم من قلب ضمّده، وكم من بيت دخلته دعاؤه قبل قدميه.
رحمه الله رحمةً واسعة وأسكنه فسيح جناته مع النبي محمد وآله الأطهار