النفط والتحالف الاستراتيجي
قامت العلاقات السعودية - الأميركية على عوامل عدة، كان الاقتصاد أبرزها. وعندما يُذكر الاقتصاد في هذه الحالة، فالنفط أساس تلك العلاقة الاقتصادية التي بدأت منذ مايو (أيار) 1931 عندما منح الملك عبد العزيز الامتياز إلى شركة (ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا) الأميركية، وسمح لها بالتنقيب عن النفط في المنطقة الشرقية للبلاد. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه، تم توقيع اتفاقية التعاون الدبلوماسي بين البلدَيْن، رغم أن الولايات المتحدة لم ترسل بعثة دبلوماسية للمملكة، واكتفت بإسناد مهمة رعاية شؤون العلاقة مع المملكة لسفارتها في القاهرة.
وفي مارس (آذار) 1938، اكتشفت شركة (كاسكو) الأميركية النفط على الأراضي السعودية بكميات تجارية، مما زاد من أهمية السعودية في الاستراتيجية السياسية الأميركية.
وبحلول عام 1949، سمح الملك عبد العزيز بإنشاء خط أنابيب ال (تابلاين) لنقل النفط من القيصومة (جنوب شمالي المنطقة الشرقية حتى ميناء صيدا اللبناني). وخلال الفترة من 1950 إلى 1990 كان النفط السعودي يزوّد الناقلات التي تُبحر عبر البحر المتوسط إلى الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين. وفي السنة التالية، (أي 1950)، قام الملك عبد العزيز بالضغط على شركة (أرامكو)، لرفع حصة بلاده في أرباح الشركة ملوحاً بتأميم النفط. وقد استجابت الشركة بتقسيم الأرباح مناصفة مع الحكومة السعودية، وهذه نسبة كبيرة جداً، مقارنة بما كانت تحصل عليه حكومات الدول النفطية وقتها، حيث كانت الشركات النفطية الكبرى تحصل عادة على حصة أكبر بكثير من الأرباح من الدول التي يتم استخراج النفط منها. وقتها قدّم ترومان ما عُرف بـ (الحيلة الذهبية) (Golden Gimmick)، وهي صفقة ائتمان ضريبي منحت شركة (أرامكو) الأميركية تخفيضات ضريبية تعادل فرق النسبة من الأرباح الذي ذهب إلى الحكومة السعودية.
كانت خطوة الملك عبد العزيز فاتحة للدول النفطية لتحسين وضعها قبالة الشركات النفطية الغربية، حيث قامت فنزويلا بعمل الشيء نفسه مع الشركة الأميركية التي تعمل على أراضيها. لاحقاً، أسهمت السعودية وفنزويلا في إنشاء منظمة (أوبك) بالتعاون مع إيران والعراق والكويت.
وفي عام 1959، خلال عهد الملك سعود، شهدت (أرامكو) انضمام أول سعودييَن لمجلس إدارتها، وهما عبد الله الطريقي وحافظ وهبة. وفي عهد الملك فيصل، ارتفعت حصة الحكومة السعودية إلى 60 في المائة من أسهم الشركة بحلول عام 1974، حيث تصدّرت صورة الملك فيصل غلاف مجلة (التايمز) بصفته رجل العام. وقتها كان لدعم إدارة الرئيس نيكسون لإسرائيل في حربها ضد العرب دورٌ كبير في تلك الخطوة الجريئة التي اتخذها الملك فيصل.
ولم تنتظر السعودية طويلاً لتستحوذ على (أرامكو) بالكامل في عام 1980 خلال عهد الملك خالد، ولكنها ظلّت تعمل بصفتها كياناً مستقلاً عن الحكومة في إدارته، ولكنها تدفع أرباحها بالكامل إلى الدولة. وفي نوفمبر 1988 في عهد الملك فهد صدر مرسوم ملكي بإنشاء شركة (الزيت العربية السعودية)، لتتولى السيطرة على أصول (أرامكو) التي احتفظت بالاسم الإنجليزي نفسه. كانت هذه الخطوة بمثابة تحول الولايات المتحدة إلى زبون بعد أن كانت شريكاً، أما بالنسبة إلى المواطنين الأميركيين الذين يعملون في الشركة، فقد أصبحوا موظفين بعدما كانوا قيادات لـ (أرامكو).
وبعد مرور الأزمات الدولية من غزو الكويت وتحريرها، مروراً بأحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، وانتهاءً بأزمة أسعار النفط في بداية عهد الرئيس بايدن، تحولت العلاقة النفطية إلى ما هو أبعد من ذلك، وهو التنسيق الاستراتيجي للحفاظ على توازن أسعار النفط في الأسواق الدولية. فواشنطن اليوم تتعامل مع السياسة النفطية السعودية من باب المحافظة على الأسعار الدولية من الصعود المبالغ فيه، حتى لا يتأثر اقتصادها بشكل سلبي.
هذا السرد التاريخي يُعطي فكرة للعلاقة بين واشنطن والرياض، وكيف أن صنّاع القرار في السعودية مشوا في مسار التحالف الاقتصادي بما يتناسب مع مصلحة وطنهم خطوة بخطوة. فكلما تقدمت البلاد خطوة رفعت الحكومة من حصة أرباحها في النفط حتى وصلت للتأميم الكامل، قبل أن تحول الأميركي من شريك ذي مساهمة أعلى إلى زبون ثانوي، حيث تُعدّ الصين اليوم هي المشتري الأكبر للنفط السعودي. وعليه، فالتنسيق الاستراتيجي هو نقطة القوة السعودية في هذه الشراكة الاستراتيجية.