آخر تحديث: 25 / 4 / 2025م - 10:38 م

فوائد الغبار

غسان علي بوخمسين

بعد موجة الغبار التي ضربتنا قبل أيام، قرأت بوست وصلني في احد وسائل التواصل، يتحدث عن مقولة منسوبة لابن خلدون عن فائدة الغبار: «إن الأرض بعد تقلب الفصول من فصل إلى فصل، تبدأ بلفظ أمراض وحشرات لو تركت لأهلكت العالم فيرسل الله الغبار، فتقوم هذه الأتربة والغبار بقتلها». ولكن هذه المقولة ليست في مقدمة ابن خلدون ولم يقل ابن خلدون هذا الكلام في أي كتاب آخر له، ولكن يبرز سؤال، هل للغبار فوائد؟

قد يبدو السؤال غريباً بعض الشيء، لكن العلم يثبت أن للغبار فوائد حقيقية مهمة للبيئة، فبالرغم من مشاكله المعروفة، مثل مشاكل الحساسية والتنفس وجعله الأسطح متسخة، إلا أنه يلعب أدوارًا بيئية هامة وحيوية لكوكب الأرض. تتجاوز فوائده مجرد كونه جزءًا طبيعيًا من البيئة، وتشمل:

1- نقل المغذيات وتخصيب النظم البيئية:

— تخصيب المحيطات: يعتبر الغبار، خاصة القادم من الصحاري الكبرى مثل الصحراء الأفريقية الكبرى، مصدرًا رئيسيًا للمعادن الأساسية مثل الحديد للعوالق النباتية «Phytoplankton» في مناطق واسعة من المحيطات التي تفتقر لهذه المغذيات. هذه العوالق هي قاعدة السلسلة الغذائية البحرية وتلعب دورًا كبيرًا في امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.

— تخصيب التربة: ينقل الغبار معادن أخرى مثل الفوسفور والبوتاسيوم والكالسيوم عبر مسافات شاسعة. مثال شهير هو غبار الصحراء الأفريقية الذي ينتقل عبر المحيط الأطلسي ليخصب تربة غابات الأمازون المطيرة التي تفتقر طبيعياً للفوسفور.

- 2 دور أساسي في تكوين السحب وهطول الأمطار:

تعمل جزيئات الغبار الدقيقة في الغلاف الجوي كنوى تكاثف سحابي «Cloud Condensation Nuclei - CCN» ونوى تجلد «Ice Nuclei - IN». يحتاج بخار الماء إلى سطح صلب دقيق ليتكاثف عليه مكونًا قطرات الماء السائلة أو ليتحول إلى بلورات جليدية. يوفر الغبار هذه الأسطح الأساسية، مما يسهل عملية تكوين السحب وبالتالي يؤثر بشكل مباشر على أنماط الطقس وهطول الأمطار وتوزيع المياه العذبة على الكوكب.

3- تنظيم المناخ:

تأثير التبريد: يمكن للغبار العالق في الغلاف الجوي أن يعكس أشعة الشمس القادمة مرة أخرى إلى الفضاء، مما يقلل من كمية الطاقة الشمسية التي تصل إلى سطح الأرض ويساهم في تبريد الكوكب موضعيًا أو إقليميًا.

تأثير التسخين: يمكن للغبار أيضًا امتصاص الإشعاع الشمسي والإشعاع الحراري الصادر من الأرض، مما يؤدي إلى تسخين طبقة الغلاف الجوي التي يوجد فيها. التأثير الصافي «تبريد أو تسخين» يعتمد على عوامل معقدة مثل حجم الجسيمات، تركيبها الكيميائي، ارتفاعها عن السطح، ولون السطح تحتها.

تأثير غير مباشر: من خلال دوره في تكوين السحب، يؤثر الغبار بشكل غير مباشر على المناخ، حيث أن للسحب نفسها تأثيرات كبيرة «تبريد وتدفئة» على توازن الطاقة الأرضي.

4- المساهمة في تكوين التربة:

على مدى فترات زمنية جيولوجية طويلة، ساهم تراكم الغبار الذي تحمله الرياح «المعروف باسم رواسب اللوس ”Loess“» في تكوين بعض التربات الأكثر خصوبة في العالم في مناطق مختلفة.

في الختام، الغبار ليس مجرد أتربة مزعجة تثير السعال وتعكر صفو حياتنا ننتظر زوالها بسرعة لنستعيد حياتنا المعتادة، بل هو جزء أساسي من نظام الطبيعة المعقد. إنه الجسر الذي ينقل المغذيات بين القارات، والعامل الذي يساعد في تنقية الهواء، والمفتاح الذي قد يحمل أسراراً علمية كثيرة. ربما علينا أن ننظر إلى الغبار بعين جديدة، عين تقدّر دوره المهم في الحفاظ على توازن نظامنا البيئي. ففي كل ذرة غبار صغيرة، قصة عظيمة عن عجائب الطبيعة وتوازنها الدقيق، فسبحان الله الذي خلق كل شيء بقدر.