اقرأ تفهم نفسك أكثر
لا يمكن أن نعد القراءة مجرد فائدة علمية أو ثقافية أو حتى دراسية فقط، أو أنها لتزجية الوقت لا أكثر، بل هي وسيلة فعالة للغوص في أعماق النفس وفهم بعض جوانبها الغامضة؛ فالكتب لا تكتفي بمجرد كشف أفكار الآخرين لنا، بل تساعدنا في اكتشاف أنفسنا ومعرفتها أكثر.
فأنت حين تتصفح رواية تتحدث عن قضية إنسانية ما يمكنك أن تكتشف ميولك عبر تعاطفك مع شخصياتها وتفكيرك فيما ستفعله لو كنت في نفس المواقف التي تقرؤها في الرواية، وعلى أساس ذلك تستطيع فهم حقيقة انحيازك إما للخير والفضيلة أو لجانب آخر، وهو ما قد يكون خافيًا عليك. فالرواية هنا أعطتك فرصة لمشاهدة حالة من محاكاة الواقع أمامك وأنت جالس في مقعدك. كما تساعد قراءة الروايات على الاطلاع على مشاعر آخرين في الرواية يمرون بتجارب قد تكون مشابهة لمشاعرك ثم ردود فعلهم تجاهها، وهو ما يكشف نفسك أمام نفسك أكثر حين تعرف مدى نضجك حيال ما يحدث لك حتى قبل أن يحدث.
وتساعد كتب التنمية الذاتية القارئ على اكتشاف نقاط قوته وضعفه، وحتى لو لم تسهم في حلها فقد اكتشف وجودها على الأقل، ولربما أدرك أن الحالة التي يمر بها هي مرض ومن خلالها يتعرف على اسمه، وهو ما قد يساعد في علاجه. وفي أمثال هذه الكتب حينما نكتشف سلبية نعلم عبر القراءة أننا لسنا وحدنا من يعاني منها، بل إن هناك المئات أو الآلاف غيرنا يعاني منها، وأن ذلك ليس بالضرورة نهاية العالم فهو أمر طبيعي وجزء من التجربة الإنسانية، ويمكن أن تحصل لأي شخص. وهكذا يمكن للكتب هنا أن تقوم بجزء من الدور الذي يقوم به الطبيب النفسي حين يكشف لنا أمراضنا النفسية.
وإذا كنا نَغفُل عن النظر إلى داخل أنفسنا فإن القراءة تتيح لنا ذلك؛ لكونها تعرض لنا أفكارًا مختلفة ومتنوعة، وهو ما يمنحنا فرصة للمقارنة بينها وبين أفكارنا الخاصة.
بل حتى اختيار الكتاب من عنوانه أو من مادته يكشف لنا جانبًا من شخصياتنا؛ فاختيار الروايات العاطفية قد يشير إلى رغبة في الحصول على تعويض عاطفي، كما قد يشير اختيار روايات الغموض إلى وجود عقل تحليلي أو رغبة في اكتشاف أمور مبهمة مرت على قارئها.
بالقراءة نكتشف من نحن، وما هي دوافعنا، وما الذي يجعلنا نبتهج أو نحزن، وهو ما يمنحنا قدرة على إدارة عواطفنا ومشاعرنا الداخلية، ومرونة في التفاعل مع محيطنا القريب تشبه جلوسنا مع شخص حكيم يرشدنا أو يكشف لنا بعض خبايا أنفسنا.
*ما الكتب إلّا مرايا ترى بداخلها حقيقة ما بداخلك «الروائي الإسباني كارلوس زافون - رواية ظل الريح».