ذاكرتنا التلقائية تساعدنا على أداء وظائفنا اليومية بكفاءة
بقلم بن سكلودنيك، زميل ما بعد الدكتوراه، علم النفس، جامعة ماكماستر
How our unconscious memory keeps us functioning efficiently in our daily lives
Ben Sclodnick, Postdoctoral Fellow, Psychology, McMaster University
April 7,2025
هل سبق لك أن كنت في مشوار طويل بالسيارة وأدركت على حين غرة أنك بالكاد تتذكر ما جرى ما مر عليك خلال الدقائق القليلة الماضية من ذلك المشوار؟
بالرغم من أن فكرة قيادة السيارة دون إيلاء انتباه واعٍ بالطريق قد تكون مزعجة، إلا أننا في الواقع نتصرف بتصرفات معقدة بدون أدنى تفكير طوال اليوم - كل هذا بفضل هذه الذاكرة الضمنية [1] .
في أبسط أشكالها، تقوم الذاكرة بوظيفة أساسية واحدة: وهي تشكيل اقترانات بين أشياء متزامنة [2] [الذاكرة الاقترانية أو الذاكرة الترابطية]. كما نربط بين اسم شخص ووجه، أو رائحة طعام ونوعه، هذا النوع من الذاكرة يساعد على اقتران بعض السياقات بأفكار وأفعال محددة [3] .
على سبيل المثال، حين نتعلم قيادة السيارة، يقال لنا متى نضع قدمنا على دواسة الفرامل في كل مرة نرى ضوء الفرامل الخلفية لسيارة تسير أمامنا. حين نكتسب خبرة قيادة السيارة ويتكرر هذان الحدثان تزامنيًا معنا [رؤية ضوء الفرامل ووضع الرجل على دواسة الفرامل]، نكون مستعدين تلقائيًا وبشكل مباشر لوضع قدمنا على دواسة الفرامل في اللحظة التي نرى فيها ضوء فرامل السيارة أمامنا - دون أن نحتاج إلى التفكير ولو لحظة في ذلك الفعل.
أو ربما قد لاحظت مدى السلاسة في قدرتك على التنقل من تطبيق على هاتفك الذكي إلى تطبيق آخر - كما لو كان لإبهامك دماغه الخاص به - وأنه لو حدث وأن غير شخص ترتيب أيقونات التطبيقات على شاشة تلفونك الرئيسة، فقد لا تكون سلاسة هذا التنقل سهلاً بعد ذلك وقد لا يخلو تعلمه مرة أخرى من صعوبة.
في كل مرة نقوم بعمل ما، جهاز ذاكرتنا يقوم بربط هذا السلوك بالسياق القائم (الحالي). بعد اكتساب خبرة كافية، السلوكيات التي كانت تتطلب تحكمًا واعيًا يمكن إثارتها بمجرد مصادفتنا لسياق مألوف [4] .
1. هذه السلوكيات التلقائية تثبت كيف يمكن للذاكرة التحكم في سلوكنا دون الحاجة إلى تذكُّر الأحداث الماضية تذكرًا واعيًا [5] [أي بمعنى أن يتحول هذه إلى اللاوعي]. حتى إن بعض الباحثين يطلقون على هذا النموذج من الذاكرة ”التحكم التلقائي (1,6)“.
نظرًا لأن الذاكرة التلقائية [1] ذاكرة لاواعية (تجري في اللاوعي) بطبيعتها، فإننا لا نلاحظ في كثير من الأحيان مدى أهمية هذه الذاكرة اللاواعية لمعظم سلوكياتنا اليومية. الذاكرة التلقائية تمكننا من القيام بوظائفنا اليومية بكفاءة.
لو لم نتمكن من الاعتماد على التحكم التلقائي في تذكر بعض التصرفات الرئيسة بشكل تلقائي أثناء قيادة السيارة، فمن المحتمل جدًا ألّا ننجو من جراء ما ننسى أنفسنا في غمرة شرود الذهن المتكرر [7] أثناء القيادة على الطريق السريع. إذا كان كل تفكير وعمل يتطلب قرارًا واعيًا، فإن من شأن أشياء بسيطة، كالمشي والكلام، أن تصبح مهمة شاقة جدًا.
سيناريوهات قيادة السيارة [الحالات التي تتعرض لها والمتعلقة بالقيادة، مثل زحمة المرور ونسيان موقف السيارة ومشكلات الطريق الأخرى] معروفة لدى الناس، مما يجعلها وسائل مفيدة لبيان كيف تعمل الذاكرة التلقائية [1] . كما أنها تُظهر مدى أهمية هذا النوع من الذاكرة بالنسبة لنا لنقوم بوظائفنا اليومية بفعالية.
بيد أنك بمجرد أن تبدأ في البحث عن ذاكرة تلقائية في مجالات أخرى، فلن تجد سلوكيات لا تعتمد على هذه الذاكرة اللاواعية. حتى لو حاولنا بشكل مقصود ضبط انتباهنا فقد تعتمد هذه العملية أيضًا على الذاكرة التلقائية (1,8).
على سبيل المثال، لماذا تتبادر إلى الذهن أشياء معينة عندما ندخل في اجتماع مع رئيسنا - بينما تتبادر إلى الذهن أشياء مختلفة جدًا حين نلتقي بصديق قديم؟ ليس الأمر كما لو أننا نتخذ دائمًا قرارات مقصودة بشأن ما يجب تذكره في هذه الحالات.
التفسير هو أن هذين السيناريوهين المختلفين [الاجتماع بالرئيس والالتقاء بالصديق] يرتبط كل منهما بتجارب سابقة مختلفة [9] . عندما نلتقي بشخص ما، فإن التجارب المقترنة به تتبادر إلى الذهن تلقائيًا نتيجة للذاكرة التلقائية التي كوناها سابقًا.
بالرغم من أن الذاكرة التلقائية ضرورية لأداء وظائفنا اليومية، إلا أن لها تبعات سلبية. على سبيل المثال، يجد كل شخص نفسه يتصرف بنفس التصرف مرارًا وتكرارًا في الحالات والمواقف المألوفة - حتى عندما تتعارض هذه التصرفات مع الطريقة أو الأسلوب الذي يفضل الشخص أن يتصرف به. ولكن الحقيقة هي، لو كنا نريد تغيير أنماط سلوكنا (عاداتنا)، نحتاج إلى فرص متكررة لتشكيل اقترانات جديدة [10] بحيث تكون سلوكياتنا التلقائية تتوافق مع أهدافنا.
إحدى استراتيجيات التغلب على الذاكرة التلقائية في ممارسة السلوكيات التي تريد تغييرها تتمثل في سياقات جديدة. على سبيل المثال، إذا وجدت أن النقاش الصعب مع شريك حياتك ينتهي دائمًا بردود فعل سلبية دون معنى، فربما تحتاج إلى محاولة إجراء تلك المناقشات أمام صديق أو أمام معالج نفسي. [النقاش الصعب عادةً يتناول مواضيع حساسة أو مثيرة للجدل أو مشحونة عاطفيًا، غالبًا ما تنتهي إلى خلاف أو نزاع أو انزعاج، بحسب التعريف [11] ].
تغيير السياق مثل هذا يحد من فرص إثارة ردود فعلك السلبية المعتادة، مما قد يساعد في سهولة تغيير سلوكياتك في اللحظات الحرجة. أما بالنسبة للسلوكيات التي اعتدت على ممارستها طوال حياتك، لا توجد حيلة سريعة للتغلب على ما يعيق تغييرها، حيث يحتاج ذلك إلى جهد ووقت.
لهذا السبب، كخبير في الذاكرة والانتباه، أجد نفسي متعاطفًا مع الذين يواجهون صعوبة في تغيير عاداتهم القديمة. وهذا هو السبب في أنني أصاب بالرعب بما في الكلمة من معنى حين تضاف إشارة توقف مرورية جديدة إلى تقاطع اعتاد السائقون على أن يكون لهم حق المرور [ولذا يتجاوزن ذلك التقاطع بحسب العادة بلا انتباه إلى تلك الإشارة الجديدة].