آخر تحديث: 25 / 4 / 2025م - 10:38 م

نشء يستقي

هل للبيئة المحيطة بالإنسان تأثير - سلبا أو إيجابا - أم أن أمر التأثير والفاعلية تعتمد على العامل الذاتي «داخلي» بنحو قوي، دون أن يكون لما حولنا من تأثير مع وجود ضمير وعقل مفكر عند الفرد يبصر من خلاله الأمور بفحص وتدقيق؟

بالتأكيد أن محور التفكير والسلوك عند الفرد هي ذاته المحركة له في ميادين الحياة المعرفية والمهنية والصانعة لمكانته وشأنه، ولكن التأثر بالمحيط إيجابا أو سلبا لا يغيب عن البال في التمسك بطرف المكارم الأخلاقية أو الانزلاق إلى الرذائل، فما يحمله محيطه الأسري والاجتماعي من أفكار ومعتقدات وعادات يتأثر بها بقدر معين وتتعزز لديه الرغبة نحو الانطلاق في إثبات الذات بما يحمله من فكر راق وطريقة تعامل حسن، أو يسبب له نفرة وكراهيات بسبب طريقة تخاطبه أو تعامله المتصفة بالقسوة والتعالي، كما أن المحيط الفاقد للقيم والذي يرى في السلوكيات السلبية والسيئة جزءا من مكونات الشخصية وطريقة تفكير في إدارة الحياة سينتج شخصيات لها محدداتها، فلو نظرنا إلى مفردة الإساءة اللفظية للآخرين في غياب شخوصهم «الغيبة» مثلا، سيرى فيها من يعلي قيمة المكارم الأخلاقية والسور الحصين للعلاقات الاجتماعية خطا أحمر لا ينبغي الاقتراب منه، لما يلحقه من تدمير للنفس المنشغلة بالتلصص على خصوصيات الآخرين وأسرارهم وعيوبهم، واستثمارها على مائدة التفكه في المجالس دون أي اعتبار لتأثيرها على فقدان الاحترام والثقة بين أفراد المجتمع وصنع الكراهيات والخصومات بينهم، بينما يرى فيها البعض مجرد تسلية وقضاء الأوقات في تجاذب أطراف الحديث وإبرازا للعضلات في تشخيص الآخرين والتعريف الدقيق بهم.

الوعي بالمخاطر الأخلاقية والاجتماعية ودورها في إضعاف البنية والمكونات والقدرات لشخصية الفرد يسهم في إعداده تربويا ومعرفيا في إدارة حياته وضبط سلوكياته بما يعزز قوته الذاتية ومكانته الاجتماعية، وتأخذ العملية التعليمية بتلك السلوكيات السلبية مكانتها وأهميتها لتخلية العقل من المسارات الضارة به، وهذا ما يبرز أهمية البيئة المحيطة بالإنسان في رسم المسارات الآخذة بآماله وأهدافه المعرفية والاجتماعية بعيدا عن تلك المطبات المسقطة له أرضا، كما أن طريقة اتخاذ القرارات في مختلف جوانب حياته بما يخدم ويمهد لتحقيق الإنجازات والنجاح والتقدم خطوة ومرحلة بعد أخرى.

التوجيه والإرشاد الأسري يعد اللبنة الأولى لبناء شخصية الفرد وتعزيز اقتداره ومكانته، فتلك القيم كالصدق والأمانة والتعامل الحسن مع الغير واحترام وجوده دون تأثير من الضغوط الحياتية عليه سلبا ترسم معالم التألق عنده، كما أن المحيط التعليمي والتربوي يمثل اليد الأخرى لصناعة شخصية الفرد وإكسابه القيم والعادات الحسنة والمفاهيم، كما أن طريقة التفكير والتخطيط لحياة مستقرة وفاعلة يتعلمها ويمارسها في تلك البيئة التعليمية.

ولا يخفى أهمية ودور محيط الأصدقاء وتأثيرهم في تقديم الدعم المعنوي والإرشاد في طريق التكامل واكتساب الفضائل، كما أن العصف الذهني وتلك النقاشات التي تدور ويتم من خلالها تبادل وجهات النظر تنمي الفكر وتثري الزاد المعرفي والثقافي، والسلوكيات السلبية تكون محل نظر وانتقاد يدعو إلى مراجعة النفس وتقييم السلوكيات الصادرة والتغيير الإيجابي، مما يكسب قدرة أكبر عند الفرد على الاعتراف بالأخطاء ومعالجتها دون تزمّت أو تكبّر.