آخر تحديث: 25 / 4 / 2025م - 10:38 م

مناهل تربية الأبناء

حكيمة آل نصيف

من نعم الله العظيمة أن يهب لنا ذرية من الأبناء والبنات نسعى لتربيتهم والاعتناء بهم، وقد يظن بعض الآباء والأمهات بأن أكبر علاقة ورابط بيننا وبين أبنائنا هو تقديم الرعاية المادية لهم من مأكل وملبس واهتمام بصحتهم الجسمية والاعتناء بهم مع ترسيخ قواعد التربية العامة وإظهار العاطفة الجياشة لهم من الحب والمودة.

لكن لو تفكرنا قليلا مع ما ذكرناه وهو مطلوب، ويعتبر من أساسيات الحياة والتنشئة، إلا أن علاقتنا أكبر بكثير من هذه الأمور، فالعلاقة ليست عاطفية ومادية، بل العلاقة بين الآباء والأبناء علاقة تفاعلية وتبادلية تقوم على الكثير من الأسس التي تجعلها علاقة ناجحة ونافعة.

ومن أهم هذه الأسس العاطفة الصادقة التي تجمع بين القول والعمل، إذ تبدأ علاقتنا بأبنائنا على أساس من الحب والحنان منذ ولادتهم. ولتكوين علاقة سوية، ينبغي إظهار مشاعر المحبة بوضوح؛ لأن الطفل في سنواته الأولى يحتاج إلى الحنان والاهتمام أكثر من أي شيء آخر، ولا بد أن يترجم ذلك الحب والاهتمام سلوكا وعملا فلا يكفي نطق كلمات الحب والمودة، بل ينبغي من تطبيقها عمليا.

كيف أحب ذلك الابن من خلال إشعاره بالأمن والخوف عليه من عوارض الزمن وتوفير احتياجاته والدفاع عنه عند تعرضه للخطر ومشاركته بعض الأنشطة والألعاب، وكل ذلك يترجم الحب الحقيقي له من خلال اقتطاع جزء من الوقت يكون خاصا بهم.

ولا يخفى علينا بأن الأبناء أثناء ذلك يعيشون عنصر المحاكاة والتقليد وكأنهم أمام مرآة تصوير «سينما» تعكس كل أفعال الوالدين، وهم يطبقون ما يشاهدون من إيجابيات أو سلبيات، لذا لا بد من الحرص على إظهار كل ما هو جميل لهم لتكون التنشئة سليمة وتنفعهم مستقبلا.

والتقدير والاهتمام يكسبهم الثقة بالنفس ويعزز الاقتدار عندهم فالحب ليس كافيا إذا كان يفتقد عنصر التقدير والاهتمام، وإشعارهم بأهمية وجودهم وأهمية آرائهم وأفكارهم فلا ينبغي من مشاركتهم في الآراء وإبداء الحلول والمقترحات، وإن لم يؤخذ بها لعدم مناسبتها، فإن فعل ذلك في حد ذاته يظهر الاهتمام وبأن ذاك الابن جزء من العائلة وله انتماء ووجود يسهم في تطوير شخصيته وأفكاره، ويجعل منه شخصا ناجحا، بعكس أولئك الآباء الذين يتفردون بآرائهم فسيطبع طابعا سيئا على شخصية الأبناء في اتخاذ القرارات الخاصة بهم؛ لأنهم لم يتعودوا على المشاركة ووضع الحلول والمقترحات، كما ستتولد شخصية قد تكون معقدة أو اتكالية لا تستطيع إنجاز أي عمل أو حل أي مشكلة وإن كانت بسيطة، بل يخرج إلى المجتمع وهو بعيد - كل البعد عنه -، ويفقد ما يسمى بالذكاء الاجتماعي.

هذا بالنسبة للأبناء وكذلك هناك أسس للآباء لا بد أن تتحقق في الوالدين، ومنها التربية المعرفية، فكثير من الآباء أساس التربية عندهم يقوم على التقليد والمعرفة السطحية لأمور التربية، والتي تقوم على رعاية الأطفال والاهتمام البدني بهم وتوفير الأمور المادية، لكن التربية وأسسها أكبر من ذلك، هناك احتياجات نفسية وسلوكية يحتاجها الأبناء حتى في العاطفة والعطاء وكيفية تقديمها للأبناء بشكل إيجابي، فعندما يتعلم الوالدان أساليب التربية والأدوات التي تساعد على التربية السليمة ومعرفة التعامل مع كل جيل حسب الزمن الذي يعيش فيه واحتياجاته، هنا نستطيع التعامل بشكل أفضل مع أبنائنا بالذات في هذا الوقت الذي نشهد فيه الانفتاح الواسع على المجتمعات الأخرى، لذا يجب أن يتحمل الوالدان هذه المسؤولية، ويتزودان بطرق التربية المعرفية والصحيحة التي من شأنها تكوين جيل صالح.

ومراعاة الفروق الفردية بين الأبناء وهذا أمر ضروري، فالأبناء ليس من الضروري أن يكونوا جميعًا بنفس الطباع أو النفسية أو حتى الميول الاجتماعية والعلمية، هناك الكثير من الفوارق بين الأبناء ولا بد من مراعاة ذلك والبعد عن المقارنة مع الأقران أو الاستهزاء ومحاولة استنقاص شخصياتهم وأفكارهم، بل يجب من إظهار الاهتمام بميولهم ورغباتهم العملية والعلمية والاجتماعية من أجل تكوين شخصية قوية وناجحة نافعة..

أخيرا يجب أن نفهم - كآباء وأمهات - بأن أي نجاح أو إخفاق يعيشه الأبناء وأي شخصية قوية قادرة على مواجهة الصعوبات والمشاكل، أو تكون شخصية انطوائية واتكالية فنحن من نصنعها ونقدمها.