آخر تحديث: 25 / 4 / 2025م - 10:38 م

الواتساب العائلي: جمهورية الطناخة والقلق المتبادل

عماد آل عبيدان

حين تتحوّل الجدة إلى مراسلة أخبار عاجلة، والخال إلى شاعر مناسبات، وتصبح الحياة كلها سلسلة من صور النعم وصوتيات الدعاء والأخبار اللي بس نسخ ولصق.

في كل بيت خليجي، هناك غرفة خفية لا نراها لكنها تستهلك أعمارنا… غرفة تُدعى: ”قروب العائلة في الواتساب“.

تبدأ بفكرة نبيلة: لمّ الشمل، صلة الرحم، تبادل الأخبار… وتنتهي بكوارث فكرية، صور مفخخة بالدعاء، وخلافات حول من حذف من، ولماذا لم يردّ فلان على ”صباح الخير يا عيال العم؟“

هنا يُصنع المحتوى الحقيقي… من بقايا المعنى

يدخل الأب القروب وهو لا يعرف كيف يرسل صورة، فيتخصص بإعادة إرسال كل شيء من ”منقول“، حتى لو كان تحذيراً من منتج لم يُصنع منذ 2008.

الأم تشارك كل شيء بعنوان ”شوفوا هالمسكين“ حتى لو كان مقطعاً لرجل أسترالي يطبخ كوالا مشوياً.

الخالة المثقفة ترسل اقتباسات لأقوال منسوبة لـ ”أنشتاين بن عمّار“، لا أحد يعرفه لكنها تقسم أنه في كتاب شافته عند وحدة من الحريم.

أما الجدة… فهي بطلة القروب بلا منازع. ترسل ”صوتيات دعاء“ كل يوم قبل الفجر، وبعد الفجر، وعند الزوال، وقبل المغرب، وكأنها في سباق روحي ضد الزمن.

”اللي ما يرد، ترى أزعل“ — أول قانون في القروب

يرسل أحدهم صورة عادية لطفله في الروضة، ثم يبدأ العدّ التنازلي:

• ”ما شاء الله تبارك الله“ من الخالة.

• ”ينبض حنان“ من العمة.

• ”يشبه جدّه!“ من الأم.

• «الخال نايم، ما ردّ، فتبدأ أزمة دبلوماسية.»

وتخرج جملة من العيار الثقيل:

”واضح من اللي يرد ومن اللي لا… بس ما نقول إلا الله يهدي الجميع.“

الجملة التي لو قيلت في الأمم المتحدة، لاعتزلت الدول بعضها بعضاً.

الخلافات الكبرى: من حذف من؟

”فلانة حذفتني من القروب!“

جملة تسقط كالصاعقة، وكأن الحرب العالمية الثالثة بدأت. لا أحد يسأل لماذا؟ بل تبدأ الشكوك:

• ”يمكن زعلت من صورة الحفلة؟“

• ”أكيد ما عجبها تعليقي على سلّتك، سويت لها قلب أحمر، يمكن تحسّفت؟“

وما أن يُعاد العضو المحذوف، حتى يدخل برسالة سمّية:

”مساكم الله بالخير… ترى اللي يطلّعني مرة ثانية، أفتح له حساب وعقاب!“

الطناخة الافتراضية: عرض أزياء من غير جسم

هل تساءلت يوماً: من الذي اخترع عادة تصوير السفرة من فوق؟

ولماذا كل عزيمة تُوثّق بتقارير كاملة:

• ”تم استلام الضيوف بنجاح.“

• ”تم تقديم العصيرات.“

• ”تم إطلاق الدعاء الجماعي.“

والصورة لا تخلو من طبق وسط السفرة كُتب عليه: ”من يد فلانة“

علماً أن فلانة لا تعرف الفرق بين ملح البحر وسكر بودرة.

عبارات متكررة لدرجة الغثيان اللطيف:

• ”يا رب اجعل هذا اليوم تفريج لكل مهموم.“

• ”صورة قبل النوم، ذكريات لا تُنسى.“

• ”أرسلها لعشرة أشخاص وشوف العجب!“

لكننا لا نرى العجب… نرى فقط 33 صورة لنفس الشاي، بزاويا مختلفة، كل واحدة عليها فلتر اسمه: ”ذكريات الشتاء“.

فلسفة القروب العائلي: الحب في زمن الرموز التعبيرية

ورغم كل شيء… رغم الإزعاج، والدعاء المتكرر، والإشاعات الصحية التي تقول إن الكركم يشفي السرطان إذا خلطته مع النعناع… إلا أن هذا القروب هو أغلى متحف للعائلة.

فيه ضحك، فيه سهو، فيه تأفف… لكنه أيضاً صلة رحم إلكترونية، تربطك بأشخاص لم ترهم منذ شهر رمضان ما قبل الجائحة.

الجدة التي لا تكتب، ترسل صوتاً فيه شهيق ودعاء وقول: ”الله لا يقطعكم يا وليدي.“

وهذا يكفي… ليكون القروب أعظم من ألف محاضرة عن العلاقات الأسرية.

ننهي حديثنا: لا تحذف، بل افهم

لا تهرُب من القروب، بل شارك بابتسامة، ورد على الخالة حتى لو أرسلت نفس الحديث خمس مرات.

ارفع صورة لطفلك، واضغط لايك على صورة ”الكيكة المحروقة“ من عمّتك.

وتذكّر أن هذا القروب ليس مجرد شاشة… بل شاشة قلوبهم علينا.

ففي زمن الانفصال العاطفي، أصبح ”صباح الخير“ من والدتك في الواتساب أعظم من كل رسائل الذكاء الاصطناعي.