الخط السعودي.. حين تصبح الحروف مرآة للهوية
في لحظة تأمل صامتة، شدني شكل الخط العربي على الريال السعودي. لم يكن الأمر جديداً، فالخط حاضر في تفاصيل يومنا، لكن هذه المرة بدا كأنه يهمس برسالة أعمق: الهوية تبدأ من الحرف.
إطلاق الخطين «الأول» و»السعودي» مؤخراً ليس مجرد تحديث بصري، بل خطوة استراتيجية تحمل أبعاداً ثقافية وحضارية عميقة. فالخط ليس فقط أداة للكتابة، بل هو توقيع بصري على صفحات التاريخ، وهوية لا تُترجم، بل تُقرأ وتُفهم.
لطالما ارتبطت الخطوط بالحضارات. نقول «الخط الكوفي»، فنستحضر روح بغداد العباسية، ونقول «الخط الأندلسي»، فنتنفس عبق قرطبة وغرناطة. تلك التسميات لم تكن محض وصف، بل كانت تعبيراً عن هوية، عن بيئة، عن ذائقة وثقافة زمن ومكان. واليوم، حين يكون لدينا «خط سعودي»، فنحن لا نبحث عن مكان في التاريخ، بل نُكمّل سطوره.
المملكة التي تجاوز عمرها الثلاثمئة عام، والتي عبرت مراحل التأسيس والتوحيد والنمو، تنحت الآن ملامح هويتها البصرية الواعية. هذه الخطوة تأتي كجزء من جهود أوسع تقودها وزارة الثقافة لتعزيز الهوية الوطنية، ليس بالشعارات، بل بالأدوات الحقيقية التي تشكّل الوعي البصري العام، وتمنح الحضور السعودي شكله وصوته الخاص.
الخط ليس تفصيلاً جمالياً هامشياً. هو جزء من سردية أكبر تحكي من نحن. يظهر في العملة، في الأوراق الرسمية، في اللوحات الإرشادية، في الحملات التوعوية، وفي تصاميم التطبيقات والمواقع. وكلما كانت هذه الخطوط نابعة من خصوصيتنا الثقافية، كلما ساهمت في بناء شعور أعمق بالانتماء والاعتزاز.
كما أن هذه الخطوة تفتح آفاقاً جديدة أمام المصممين والمبدعين السعوديين، لإنتاج محتوى بصري يُشبهنا، يُعبّر عنا، ويصمد في وجه العولمة التي تحاول أن تجعل كل شيء «يشبه كل شيء».
في زمن تتزاحم فيه الرسائل، يصبح شكل الرسالة لا يقل أهمية عن مضمونها. وما لم نمتلك لغتنا البصرية الخاصة، سنظل نكتب بلغات غيرنا. الخط السعودي اليوم هو أكثر من نمط كتابة. إنه طريقة نُعلن بها وجودنا، نُعبّر بها عن أصالتنا، ونضع بها بصمتنا الحضارية في الفضاء الرقمي والثقافي الحديث.
إنها الحروف.. لكنها هذه المرة، تتحدث بلسان الوطن.