آخر تحديث: 26 / 4 / 2025م - 8:44 م

بين الطهي والكتابة

ياسين آل خليل

كثيرون يعتقدون أن الكتابة مجرد عملية تجميع للكلمات والمفردات في جمل متتابعة، وأن المقالة الجيدة هي التي تبدو خالية من الأخطاء اللغوية والنحوية، ليس إلا..! لكن هل يكفي أن تجمع مكونات أي طبق كما يفعل الطاهي الماهر لتحصل على نفس النتيجة..؟ بالطبع لا، فالطبخ كالكتابة تماما، يحتاج إلى أكثر من مجرد المكونات الصحيحة لعمل طبق مميز يسيل له اللعاب.

كما أن الطباخ المحترف لا يضع المكونات في القدر بشكل عشوائي، الكاتب الجيد لا يرص الكلمات دون وعي أو إحساس. فليست العبرة في عدد المفردات المستخدمة أو طول الجمل، بل في طريقة الصياغة، التناسق، والتعبير عن الأفكار بوضوح. يمكن لأي شخص أن يمتلك قاموسًا غنيًا بالمفردات، لكن القدرة على توظيفها بمهارة وإبداع هو ما يميز الكاتب الحقيقي عن مجرّد جامعٍ للكلمات.

بعض من يكتبون، يظنون أن خلوّ النص من الأخطاء كافٍ ليجعل منه مقالة متكاملة. لكن الحقيقة أن المقالة الفارغة من الروح، مهما بدت ”صحيحة“ من الناحية الشكلية، تظل باردة وجامدة، تمامًا كطبق بلا نكهة. فالقارئ لا يبحث فقط عن نص خالٍ من العيوب، بل عن نص يحمل فكرة واضحة، ويجذبه بأسلوبه وتدفقه السلس، أليس كذلك..؟

كما يتذوق الطاهي المحترف الطعام ويعرف إن كان يحتاج إلى لمسة إضافية من الملح أو التوابل، الكاتب البارع يقرأ نصه بعين القارئ، لا بعين المجرد الباحث عن الكمال اللغوي. إنه يسأل نفسه: هل فكرتي واضحة؟ هل سأستمتع بقراءة هذا النص لو لم أكن أنا من كتبه؟ هل يحمل شيئًا جديدًا للقارئ..؟

امتلاكك لكل أدوات الطهي لا يجعلك طاهيًا ماهرًا، كما أن معرفتك بكل قواعد اللغة لا تجعلك كاتبًا بارعًا. الفرق بين الهاوي والمحترف هو الإحساس، الممارسة، والقدرة على تحويل المواد الخام إلى شيء نابض بالحياة. لذا، لا تكتب لمجرد أن تكتب، بل اكتب لتوصل فكرة، لتثير إحساسًا، ولتجعل القارئ يستمتع كما يستمتع متذوق الطعام بوجبة متقنة الصنع.