آخر تحديث: 1 / 5 / 2025م - 4:31 م

مُدّعو القراءة

يوسف أحمد الحسن * مجلة اليمامة

عجيب أمر القراءة التي يحب كثيرون أن يدّعوها وأن يتحدثوا عن قراءاتهم ومطالعاتهم، وعن الكتب التي اشتروها، رغم أنهم لم يقرؤوها وربما لم يتصفحوها. وقد يتحدث بعض هؤلاء عن كتاب معين وأنه جيد، ويسهبون في الحديث عنه اعتمادًا على عنوانه أو على نظرة سريعة على فهرسه. وهذا ما يسميه الروائي السوداني أمير تاج السر بالقراءة المغشوشة أو وهم الثقافة عند ”المشاركة في نقاش يدور حول كتاب معين، أو شريط سينمائي، أو أي شيء له علاقة بالإبداع، من دون الاطلاع على المادة موضوع النقاش“. ويضيف: كثُرت مثل تلك الادعاءات، وكثر متابعوها والمروجون لها، وبالتالي مزيد من التدني في الوعي المعرفي، وتشريد الناس من سكة القراءة الصحيحة.

ورغم أن هذا الادعاء دليل جميل على مدى الوعي بأهمية القراءة لدى مدّعيها ولدى من يستمع إلى حديثهم عن الكتب؛ حيث إنهم يفترضون أن من يستمع إليهم يحب هذا النوع من الأحاديث، ويؤكد مقولة ”كفى بالعلم شرفًا أن يدعيه من لا يحسنه ويفرح به إذا نسب إليه“، إلا أننا بحاجة إلى أن ينتقل هؤلاء إلى الخطوة التالية في مشوار القراءة؛ وهي أن يقرؤوا بالفعل.

لن يمنع هؤلاء أحد أن يدّعوا القراءة والثقافة، ولكن انخراطهم الحقيقي في سلك القراءة هو ما سيحصنهم من الوقوع في شَرَك ما في يوم ما حين يقعون في خطأ يكشف خواءهم الفكري.

وما قد يدفع هؤلاء إلى ادعاء القراءة تحسين الصورة والمباهاة الاجتماعية حين يظهرون بمظهر المثقف، ورغبتهم في الشهرة التي يتوقعونها نتيجة هذا الادعاء، كما يتوقعون بأنهم بذلك قد يغطون على جهلهم.

ربما كان ضيق الوقت أو ضعف المران القرائي هو ما يمنع البعض من قراءة النصوص الكاملة، ورغم أنه أمر جيد بحد ذاته، إلا أنه لا يؤهل للدخول في نقاشات جادة مع من قرأها كاملة وربما كرر قراءتها أكثر من مرة.

لكن أسوأ ما قد يحصل من مدّعي القراءة هجومهم على القُرّاء الحقيقيين أو منافستهم في مختلف السوح الثقافية والفكرية، والدخول معهم في مشاحنات لا تنتهي، وتخلط الأوراق، حتى لا يتبين حينها القارئ من مدّعي القراءة.

وقد أصبح ادعاء القراءة أكثر مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي ووجود ملخصات للكتب في مختلف المواقع يظن البعض أنها تغني عن القراءة الكاملة للكتب، لكنها ليست كذلك رغم أنها مفيدة.