التعامل مع الازدواجية: تأثيراتها وأثرها على العلاقات الشخصية
من الناس من يعيش الازدواجية في تصرفاته مع الآخرين، فتجده يتلوّن يمنة ويسرة، ومثل هذه الحالة يصعب التعامل معها لعدم ثباتها؛ إذ لا تعلم إلى أين يميل ذلك الشخص.
وفي مثل هذه الحالة ينقسم الناس إلى قسمين: قسم يصبر ويتحمّل الازدواجية ويتعايش مع من يتصف بها، وقسم آخر يتجنّب تلك الشخصية لأنه لا طاقة له على تقلّباتها.
لكن الأصعب من ذلك من يعيش الازدواجية داخليًا، إذ تراه يتحلى برأي يخالف واقعه النفسي، فيبدو وكأنه شخص آخر في داخله.
ولعل مثل هذه الشخصية ناتجة عن خوف يعتريها، تارة من الأسرة، وأخرى من المجتمع وإرهابه الفكري، فتتكوَّن لديها هذه الحالة المعقّدة.
الازدواجية هي حالة أو موقف ينطوي على وجود جانبين متناقضين أو متضادين لدى الشخص أو الفكرة، كأن يُظهر الإنسان سلوكًا علنيًا يخالف ما يؤمن به أو يفعله سرًا.
تبدأ الازدواجية من الاستسلام الأولي نتيجة الضغط العائلي، ثم تتضخّم لدى الشخص وتترسخ، فيصعب التخلص منها، بلحاظ أن الازدواجية اعتلال نفسي قد يُبتلى به أي شخص نتيجة التربية. فالأسرة هي العامل الأول في تكوين الشخصية الازدواجية، ثم تأتي العوامل الخارجية كالثقافة المتلقاة من الآخرين، والضغوط الاجتماعية التي لا يُقوى على مواجهتها.
فكثيرًا ما نرى من يتبنى رأيًا في جلسة خاصة، ثم لا يلبث أن يغيّره بعد مدة قصيرة في مكان آخر، ويدافع عن كلا الرأيين وكأنهما حقيقة واحدة. ويظهر ذلك في مختلف المجالات الاجتماعية والسياسية، وحتى الرياضية.
ومثال ذلك: مثقف كثيرًا ما يكتب عن الانفتاح مع الآخر وينظّر له، وقد ألّف العديد من الكتب، وله مقالات كثيرة في هذا الصعيد، وتربّى على يديه من اقتنعوا بهذا الفكر. لكن المعضلة تظهر عندما يصطدم بالواقع، فتبدو تصرفاته لا تنسجم مع ما كتبه، بل يستنكر حتى بعض آرائه السابقة ويدافع بعنف عن سلوكياته الجديدة.
مثل هذه الشخصية من المؤكد أنها تزعزع الثقة بينها وبين من تغذّى بتلك الأفكار.
ويُروى أن صديقين تعارفا، فأحدهما كانت عاطفته مفرطة، قد تعلّق بصديقه وأخلص له بكل مشاعره، وكان يتفانى في رضاه. بينما الآخر اتصف بالازدواجية والتقلّب، فتارة يفتح له قلبه ويوهمه بأنه صديقه المقرّب، وتارة يتغيّر تمامًا، فيخيّل إلى صديقه المحب أن إخلاصه لا يُقابَل بالمثل.
وتراه أحيانًا يخصّه بمعاملة استثنائية، ثم لا يلبث أن يراه يتعامل مع آخرين بنفس الأسلوب. وهكذا تعب الصديق المحب، وتحول إلى شخصية ضعيفة، غلبته الغيرة وأرهقته التقلّبات، وكل ذلك بسبب الازدواجية التي أنهكته نفسيًا.
إن للازدواجية في التعامل مع الآخرين آثارًا سلبية كثيرة، أبرزها زعزعة الثقة بين الناس، وانعدام الوضوح في العلاقات.
لذلك، من يبتلى بهذا الداء عليه أن يتجه للمعالجة بالمران، والاطلاع على تجارب الآخرين، حتى يتحرر من هذا الاعتلال ويبدأ حياة جديدة أكثر صدقًا واتساقًا.