آخر تحديث: 12 / 6 / 2025م - 12:40 م

الأسطورة والخرافة: فهم الفروق الثقافية والاجتماعية

عيسى العيد *

لماذا يُطلق على صاحب كفاءة معينة لقب ”الأسطورة“؟

هل مصطلح ”الأسطورة“ مصطلح محمود أم مذموم؟

إذا كان مذمومًا، فلماذا نُطلقه على الشخصيات الرمزية؟

وإذا كان محمودًا، فلماذا نجعله دائمًا رديفًا للخرافة؟

وهل الخرافة شبيهة بالأسطورة؟

في الإجابة عن كل هذه التساؤلات، لا بد لنا من إماطة اللثام عن كل مصطلحٍ منها، لكي تتضح لنا الفروقات التي تُجيب عن تلك الأسئلة.

الأسطورة واقعٌ حقيقي، تُضاف إليه بعض الصفات التي تُضفي عليه هالة من التقديس والرمزية، وعادةً ما تكون لشخصيات أو أماكن بارزة. ومع مرور الزمن، تُمنح هذه الشخصيات أو الأماكن كثيرًا من الصفات، خصوصًا إن تناولها الشعراء بالخيال والتشبيه.

ومثال على ذلك: الرموز الدينية، أو لاعبو الكرة، أو أي فنان في مختلف الفنون.

وعلى العكس من ذلك، تأتي الخرافة، وهي ما ليس لها واقع ولا أصل من الحقيقة، وتُستخدم عادةً في القصص والحكايات.

ومثال على ذلك: نبتة الخلود في ملحمة جلجامش.

ومثال يوضح الفرق بين الأسطورة والخرافة: إذا كان أحدهم صاحب علم ومعرفة متقدمة، وذُكرت صفاته العلمية بشيء من الإعجاب والانبهار، فذلك يُعد أسطورة. أما إذا أُضيفت إليه صفات خارقة للعادة لا يُقرها العقل، فإنها تخرجه من دائرة الأسطورة إلى الخرافة.

وفي البُعد الثقافي والاجتماعي، أصبح مصطلح ”الأسطورة“ يُستخدم على نطاق واسع في الخطاب الإعلامي والجماهيري، خصوصًا في الرياضة والفن. فعندما يُقال عن لاعب كرة قدم أو فنان إنه ”أسطورة“، فإنما يُراد بذلك الإشارة إلى تفوقه اللافت وخروجه عن المألوف في مجاله، حتى ولو كان لا يزال على قيد الحياة.

وهذا الاستخدام يعبّر عن حاجة المجتمعات المعاصرة لصناعة رموز تُجسد طموحاتها أو تُلبي شغفها، ولو بلغة فيها شيء من المبالغة أو المجاز.

لكن هذه المبالغة قد تُنتج أحيانًا ”أساطير مصنوعة“، أي شخصيات يتم تضخيمها إعلاميًا دون أن يكون لها بالضرورة رصيد حقيقي من الإنجاز، مما يجعل المفهوم عرضة للابتذال، بل ويُقارب أحيانًا حدود الخرافة أو التقديس غير المبرر.

يُطلق على صاحب الكفاءة أنه ”أسطورة“، لأنه بلغ في كفاءته حدّ الإعجاب والانبهار، وفي زمنه يصبح أنموذجًا يُحتذى به ورائدًا في مجاله، فيتعاظم شأنه في نفوس معجبيه، ويُصبح ”أسطورة عصره“.

إن مصطلح ”أسطورة“ يكون محمودًا إذا لم يتجاوز حقيقته، أي إذا لم يصل إلى حدّ الخرافة التي لا أصل لها. أما إذا تجاوز ذلك، فإنه يصبح مذمومًا. ولهذا السبب، لم يقبل النبي محمد ﷺ، عند وفاة ابنه إبراهيم، ربط الظاهرة الكونية «كسوف الشمس» بهذا الحدث الأليم، بل صحّح هذا الاعتقاد قائلًا:

”إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تنكسفان لموت أحد ولا لحياته.“

وهكذا، أكّد الرسول بوضوح أن ربط الظواهر الطبيعية بالحوادث الشخصية ضرب من الخرافة، حتى لو كانت في سياق الحزن أو الحب المفرط.

فالخرافة مختلفة تمامًا عن الأسطورة؛ إذ ليست لها حقيقة، بل ترتبط بالقصص والحكايات المتخيلة، وخارقة للمألوف ولا يتقبلها العقل.