القدرات والتحصيلي واتهام المعلم
في تصريح أثار جدلًا واسعًا في الأوساط التعليمية، قال وكيل وزارة تعليم سابق إن «ارتفاع نتيجة الطالب في المدرسة وانخفاضها في اختبارات القدرات والتحصيلي، يعني أن الخلل في الفصل الدراسي والمعلم».
هذا التصريح، الذي تداوله المهتمون عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل، يعكس رأيًا شائعًا مفاده أن التفاوت بين نتائج المدرسة والاختبارات المعيارية يعود بالدرجة الأولى إلى أداء المعلم. إلا أن هذا الربط، وإن بدا منطقيًا عند البعض، يحتاج إلى مراجعة متأنية، لأن الاختبارات ونتائجها تخضع لمعادلات أكثر تعقيدًا مما يبدو على السطح.
اختبار القدرات لا يُقاس فيه ما تعلمه الطالب حرفيًا، بل يُقاس ما يمتلكه من مهارات ذهنية وتحليلية واستدلالية. هو اختبار معياري يُصمم خصيصًا ليكون بعيدًا عن تفاصيل المناهج الدراسية. أما الاختبار التحصيلي فهو وإن كان مرتبطًا بمقررات دراسية، إلا أن أسلوب بنائه ومعاييره تختلف كثيرًا عن تقييم الفصل المدرسي، حيث يراعي المعلم الفروق الفردية، وظروف الطالب، وتفاعله اليومي.
بالتالي، الربط بين انخفاض نتائج الطالب في هذه الاختبارات وبين المعلم فقط هو إسقاط غير مستساغ واختزال لتجربة تعليمية معقدة ومتعددة الأبعاد. المعلم يعمل ضمن منظومة تشمل المناهج، الإدارة، بيئة الطالب، ثقافة الاختبار، ومدى عدالة أدوات القياس.
في أنظمة تعليمية متقدمة مثل كندا وفنلندا، تُفهم الاختبارات المعيارية على أنها أدوات لتقدير السياسات العامة، لا لمحاسبة فرد معين داخل الفصل. يتم تحليل نتائجها إلى جانب عوامل عدة، بينها البيئة الأسرية، الخلفية الثقافية، الفروق الفردية، وليس فقط أداء المعلم.
والأهم أن نُدرك أن المدرسة تُعنى ببناء الطالب بشكل شامل: معرفيًا، نفسيًا، وتربويًا، بينما تقيس الاختبارات جانبًا واحدًا في لحظة واحدة، غالبًا تحت ضغط. لا يمكن تحويل هذه اللحظة إلى مرآة لثلاث سنوات دراسية، ولا يمكن تجاهل أثر التوتر أو طريقة إعداد الطالب لهذه الاختبارات.
الإصلاح التربوي الحقيقي لا يقوم على تأنيب المعلم عند كل تباين رقمي، بل على فهم طبيعة كل أداة تقييم، ودورها، وحدود صلاحيتها. فلا القدرات ولا التحصيلي يمكن أن يُحمّلا وحدهما المعلم مسؤولية نتائج طلابية لا نعرف ظروفها الكاملة.
أخيرا أقول: من العدل أن نفصل بين ما يُقاس داخل الفصل المدرسي، وما تُظهره اختبارات القدرات والتحصيلي، فلكلٍ منهما طبيعته وأهدافه المختلفة.