الرؤية والسيادة الوطنية
أحيانًا نحتاج أن نسمع الحقيقة من فم الآخر، لا لأننا نجهلها، بل لأن وقعها يختلف حين تأتي من الطرف الذي طالما اعتُبر مرجعًا للتقدم والنهضة. هذا ما حدث عندما تحدّث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في السعودية، وقالها بوضوح غير معتاد: ما تحقق في الرياض لم يصنعه الغرب، بل هو معجزة عربية خالصة.
خطاب صريح، حمَل في طياته اعترافًا نادرًا بقيمة السيادة الوطنية، وبقدرة الدول على تحقيق نهضتها من الداخل دون الحاجة لوصاية فكرية أو تدخل خارجي. وهي حقيقة نعيشها في السعودية اليوم، مع التحولات الكبرى التي تقودها رؤية 2030، بقيادة سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، برؤية جريئة وهوية واضحة وشجاعة في اتخاذ القرار.
قالها ترامب صراحة: السلام والتقدم لم يأتيا من إنكار الموروث، بل من احتضانه. وهذه ليست عبارة سياسية فقط، بل تعكس عمق التحول الذي نشهده، حين أصبحت الهوية ركيزة للتحديث، لا عائقًا أمامه. وفي رؤية 2030، لم يُطلب من المجتمع أن يتخلّى عن أصالته، بل طُلب منه أن يستثمرها، ويضيف إليها أدوات العصر ليصنع نموذجه الخاص.
في القطاعات المختلفة، رأينا نماذج متعددة للإصلاح، بعضها انطلق بقوة لأنه بُني على فهم عميق للواقع، وبعضها تعثّر حين استُوردت حلول من بيئات مختلفة، دون تمكين حقيقي لأهل الميدان. وفي هذا السياق، تبرز أهمية العمل بروح المبدأ الشعبي: «أهل مكة أدرى بشعابها»، فكل قطاع له خصوصياته، وكل إصلاح يحتاج أن يُقاده من يفهمه ويعيش تحدياته، لا من يُنظّر له من بعيد.
من يقرأ خطاب ترامب من زاوية مهنية، سيدرك أنه لم يكن فقط تحية إعجاب، بل تلميحا دقيقا لأهمية أن يكون التغيير نابعًا من الداخل، وأن لا تُلقى على المجتمعات دروسًا من خارجها حول كيف تعيش أو تُدار.
في القطاع الصحي وهو قطاع إنساني، كما في غيره، تأتي بعض المشاريع بإلهام عالمي، لكنها لا تنجح إلا عندما تُزرع محليًا وتُدار بروح أهل الميدان. فالمعارف الإدارية لا تكفي وحدها لصناعة التحول، ما لم تُقرن بالوعي بخصوصية المنظومة، وتقدير ما تراكم فيها من خبرات وطنية.
ما يميز رؤية ولي العهد، أنها أعادت تشكيل العلاقة بين الدولة والمجتمع على أسس جديدة: تمكين لا تلقين، شراكة لا تبعية، وهوية لا انبهار بالآخر، ومع كل مرحلة، تتضح الرسالة: لسنا بحاجة إلى اعتراف خارجي لنثبت نجاحنا، بل إلى إيمان داخلي يقودنا بثقة وثبات.
حين قال ترامب «أنجزتم معجزة بطريقتكم العربية»، لم تكن مجرد عبارة عابرة، بل شهادة بقدرة هذه الأرض على إنتاج نموذجها الخاص، بعيدًا عن الوصاية، قريبًا من الواقع، ومرتبطًا بهوية لا تتنازل عن جذورها. السعودية اليوم لا تكتفي بأن تدهش العالم، بل تعيد تعريف النجاح بطريقتها.