آخر تحديث: 12 / 6 / 2025م - 11:41 ص

المشهد الشعري السعودي

محمد الحرز * صحيفة اليوم

سوف أبني فكرتي في هذا المقال على ثلاثة نماذج من الشعراء أرى تمثلاتهم واضحة للعيان، إذا ما أردنا أن نتخذها كمقياس نحلل من خلالها وضع الشعراء في المشهد السعودي الحالي.

وهذه النماذج بالنسبة لي - بعد التأمل والتتبع والتدقيق - ليست معيارية في النظر أو التقييم، بل هي وصفية تحليلية، تسعى لاستخلاص الواقع الشعري ووضعه موضع الظاهرة التي تقبل المساءلة والجدل والنقاش والمراجعة، وتقبل بالتالي الاعتقاد بوجود أزمة في الخطاب الشعري ترتقي إلى مستوى الظاهرة.

وحين استخدم كلمة «خطاب» هنا، فأنا استخدمه بالمعنى الفوكوي الذي ينطوي على واحد من أهم مفاهيمه وهو مبدأ لتجميع السلطة «السلطة اللغوية، الاجتماعية، الأخلاقية، التاريخية، السياسية».

لذلك، زاوية النظر هذه تعطينا مرونة في تناول الظاهرة بحيث لا يقتصر حديثنا من خلال النماذج التي سنتناولها على تجارب معينة يتم التركيز فيها على الداخل، بل سيشمل علاقتها بالخارج الاجتماعي والتاريخي والثقافي والسياسي، في حركة تشبه حركة البندول بين الخارج والداخل، بحيث ما تتركه هذه الحركة من آثار على كامل الظاهرة، يوسع من مداركنا في الفهم والتفسير.

النموذج الأول: هو الشاعر الذي يتمثل في صوته الشعري صوت الجماعة ويتماهى معه، مهما كانت تمثل هذه الجماعة من «قيم قبلية موروثة، أو تقاليد مجتمع أهلي أو مناطقي، أو مجتمع عقائدي أو تاريخي»، وهذا التمثل مهم جدا، لأنه يبعدنا أولا - عن التسميات المستهلكة التي التصقت غالبا بتصنيف الشعراء، هذا تقليدي وذاك حداثي.. إلخ، ويقربنا ثانيا: من فهم التصور الشعري الذي يكشف - إذا ما وضعنا أيدينا على الأدوار والوظائف - عن الأسباب الكامنة خلف القناعات الشعرية التي تتحكم بالشاعر سواء تلك التي يعيها أو التي لا يعيها لا فرق فكلاهما في الأهمية سواء.

هذا النموذج من الصوت الشعري هو الطاغي في مشهدنا الثقافي، وهو الأكثر حضورا وتأثيرا، ورغم تعدد أشكاله في الكتابة بين العمودي والتفعيلي والنثري إلا أن جميعها خاضعة لذات التصور الشعري وسلطته الذي هو سلطة الخطاب نفسه، وهذا الأمر يناقض تماما ما ندّعيه من قول: أن لكل شكل وعيه الشعري الخاص أو المفارق والمختلف الذي يصل إلى حد التعارض والصراع.

فمثلا هناك شعراء يكتبون الشكل العمودي - ولا عندي اعتراض على ذلك حتى لا أفهم خطأ - لكن وعيهم بالشعر وأغلب مقولاتهم المرتبطة به ينطبق تماما على شاعر قصيدة «نثر» إذا ما ربطنا الوعي الشعري في جزء منه بالشكل، والعكس يحدث تماما فهناك قصائد نثر تكتب لكن يكمن خلفها وعي شعري لا يتجاوز المفهوم المرتبط بصوت الجماعة كما قلنا سابقا، وهذه المفارقة لا يمكن تفسيرها فقط من خلال الوقوف على التجارب نفسها. لكن ربطها بالخطاب في شكله الأوسع أي الثقافي والاجتماعي والسياسي هو القادر على ذلك.

طبعا أدرك تماما في هذا السياق أننا بحاجة إلى نماذج تطبيقية ننزل بها هذه النماذج على تجارب واقعية. لكن هذه تحتاج دراسة مستقلة.

النموذج الثاني: هو الشاعر المرتبط صوته بصوت الذات، وهو ارتباط يتأسس من جانبين، الأول منهما هو إنتاج نصوص شعرية تمتاز فيها الذات بالبعد النرجسي والتعالي الصوتي وكأنها ذات تستعير من الخطابة أدواتها بينما جانبها الآخر هو الميل إلى كتابة نصوص تكون فيها الذات محور العالم وكأن العالم هنا مجرد ديكور أو منظر خلفي للذات لا أكثر أو أقل وهنا تنكشف عيوب الوعي الشعري سواء على مستوى الخبرة بالعالم أو الحياة.

مثل هذا النموذج المرتبط بالذات يكثر في الشكل العمودي ويقل نوعا ما في بقية الأشكال «التفعيلي والنثري» لكنه لا يختفي تماما.

وهناك شكل آخر من ارتباط هذا النموذج بالذات وهو ارتباط غنائي ينفتح على الطبيعة من خلال علاقتها بالذات في حسها العاطفي فقط. وهذا الشكل هو السائد في الأغلب مما ينتج من نصوص. وهناك القلة من الشعراء من يربط نصوصه بالذات في بعدها الرومانسي بوصفه خبرة مزدوجة تتقاطع فيها الخبرة بطبيعة العالم بطبيعة الحياة الإنسانية.

النموذج الثالث: هو الشاعر الذي يكتب بلا ذاكرة وهو نموذج حديث يرتبط الشاعر فيه بذاكرة يمكن تسميتها بالنتّية وهو يرتبط أكثر بالجيل الحالي. وهو يحتاج إلى تفصيل أكثر في مقال آخر.