هوس ”جسم المودل“ يدفع فتيات للتكميم.. وأخصائية تحذر من عواقب وخيمة

يتزايد إقبال عدد من الفتيات على عمليات تكميم المعدة كحل سريع لتحقيق حلم فقدان الوزن والحصول على جسم رشيق يشبه قوام عارضات الأزياء اللاتي يشاهدنهن عبر الشاشات.
هذا الإقبال، الذي يغذيه في كثير من الأحيان التقليد الأعمى والرغبة في تحقيق معايير جمالية غير واقعية، أدى إلى بروز حالات صادمة لأشخاص خضعوا للجراحة رغم عدم حاجتهم الطبية الفعلية لها، مما عرضهم لمضاعفات صحية ونفسية خطيرة، وسط تحذيرات متصاعدة من قبل المختصين بضرورة التقييم الدقيق لدوافع اللجوء إلى هذا النوع من العمليات وتقدير العواقب المحتملة.
لم تكن ”فاطمة. ز“، معلمة رياض الأطفال البالغة من العمر 32 عامًا، تتخيل يومًا أن قرارها بإجراء عملية تكميم المعدة - دون أن تكون مصابة بالسمنة - سيجردها ليس فقط من صحتها بل ومن مصدر دخلها أيضًا.
فبعد أن أقنعتها إحدى زميلاتها في العمل بأن الجراحة ستمنحها قوامًا أكثر نحافة، خضعت فاطمة للعملية رغم أن وزنها كان مثاليًا.
وما هي إلا أشهر قليلة حتى بدأت تعاني من نوبات إغماء متكررة نتيجة نقص حاد في الطاقة، مما اضطرها إلى التوقف التام عن عملها في التدريس، لتجد نفسها في مواجهة تدهور حالتها النفسية والجسدية.
وأكدت فاطمة أنها تمكنت من تجاوز هذه المحنة باللجوء إلى طبيب مختص وتناول المكملات الغذائية والفيتامينات الضرورية، بالإضافة إلى الدعم النفسي الكبير الذي تلقته من أسرتها.
قصة أخرى ترويها ”سارة“، موظفة التسويق البالغة من العمر 26 عامًا، والتي لم تكن تعاني هي الأخرى من السمنة. دافعها الوحيد للخضوع لعملية التكميم كان الرغبة في خسارة سبعة كيلوغرامات وصفتها بـ ”العنيدة“.
إلا أن النتيجة كانت فقدانها لأكثر من 18 كيلوغرامًا، ودخولها في دوامة من الضعف الجسدي الشديد، وانقطاع الدورة الشهرية، بالإضافة إلى معاناتها من اكتئاب حاد.
وقالت سارة بنبرة يملؤها الأسف: ”كلما نظرت إلى نفسي، شعرت أنني ارتكبت خطأً لا يمكن إصلاحه“.
وفي هذا السياق، أوضحت أخصائية التغذية العلاجية والرياضية، ريدة الحبيب، لـ ”جهات الإخبارية“، أن عمليات تكميم المعدة قد صُممت في الأساس لمعالجة حالات السمنة المفرطة أو المرضية، أي التي تصل إلى المرحلة الثالثة فما فوق.
وقالت لا ينبغي اللجوء إليها كوسيلة سريعة لتجميل المظهر أو إنقاص الوزن لدى الأشخاص ذوي الأوزان الطبيعية أو الذين يعانون من زيادة طفيفة في الوزن.
وأكدت الحبيب أن هؤلاء الأفراد يكونون أكثر عرضة لمجموعة واسعة من المضاعفات الصحية والنفسية الخطيرة.
فمن الناحية الصحية، أشارت الحبيب إلى أن المضاعفات قد تشمل سوء التغذية الحاد، وفقر الدم، وهشاشة العظام، واضطرابات في الأعصاب، بالإضافة إلى الشعور الدائم بقلة الطاقة ومشاكل متعددة في الجهاز الهضمي، مثل الغثيان المستمر، والقيء، والارتجاع المعدي المريئي.
وحذرت من احتمالية حدوث مضاعفات جراحية خطيرة، كالنزيف، أو التسريب من المعدة، أو العدوى، أو تكون الجلطات الدموية التي قد تكون مهددة للحياة.
وعلى الصعيد النفسي، نبهت أخصائية التغذية إلى أن الأشخاص الذين يخضعون للتكميم دون ضرورة طبية قد يعانون من الاكتئاب، واضطرابات الأكل، والشعور الدائم بعدم الكفاية، بالإضافة إلى مشاكل تتعلق بتقبل صورة الجسم، وهو ما قد يدفع البعض إلى الدخول في حلقة مفرغة من عمليات التجميل اللاحقة في محاولة يائسة لتصحيح ما تسبب فيه التكميم.
ومن الناحية التغذوية البحتة، أوضحت الحبيب أن تصغير حجم المعدة بشكل كبير بعد العملية يؤدي حتمًا إلى نقص حاد في امتصاص الفيتامينات والمعادن الأساسية التي يحتاجها الجسم، مثل فيتامين B12، والحديد، والكالسيوم، والزنك، والنحاس، وحمض الفوليك. هذا النقص ينعكس بشكل سلبي ومباشر على الصحة الجسدية والعقلية للفرد.
وأضافت أن الأشخاص ذوي الوزن الطبيعي لا يمتلكون في الأصل مخزونًا كافيًا من الدهون أو المغذيات، مما يجعلهم أكثر عرضة بشكل خاص لنقص البروتين والطاقة، وبالتالي تظهر عليهم أعراض مثل الدوخة، وتقلبات المزاج الحادة، وضعف التركيز، واضطرابات في الدورة الشهرية لدى الفتيات.
وشددت ريدة الحبيب على أن عملية تكميم المعدة ليست إجراءً تجميليًا أو حلاً سحريًا للتنحيف السريع، بل هي تدخل طبي جراحي يهدف إلى معالجة مشكلات صحية معقدة مرتبطة بالسمنة المفرطة التي لم تنجح معها الوسائل التقليدية الأخرى.
ودعت إلى ضرورة عدم إجراء مثل هذه العمليات إلا بعد استشارة فريق طبي متكامل ومؤهل، يضم أطباء جراحة، وأخصائيي تغذية، وأخصائيين نفسيين، لتقييم الحالة بشكل شامل.
ونصحت بضرورة تبني نمط حياة صحي ومتوازن يعتمد على التغذية السليمة وممارسة الرياضة بانتظام، وتجنب الانسياق وراء الحلول السريعة التي قد تخلف وراءها أضرارًا صحية ونفسية طويلة الأمد يصعب تداركها.