آخر تحديث: 12 / 6 / 2025م - 12:40 م

الاعتدال علاج المشاكل المرهقة

عيسى العيد *

في داخل كل إنسان مشاعر تتأرجح بين الحب والكره، وكلاهما ينبع من أعماق النفس. لكن المشكلة لا تكمن في وجود هذه المشاعر، بل في تجاوزها حدود التوازن. فحين يغيب الاعتدال، تتحول العواطف إلى عبء داخلي ثقيل يرهق القلب والعقل معًا.

نستطيع أن نقول إن الحب والكره أمران نابعان من الحالة النفسية، لكنهما متضادان، فلا يستقيم حب مع كره في آنٍ واحد، ولكلٍّ منهما عمل معين. والحب والكره قد يكونان متعبين إذا زادا عن حدهما المتوازن والطبيعي، فالكراهية المفرطة تُتعب من يحملها في داخله، وتُوهمه بأن كلما زادت كراهيته للطرف المقابل أتعبه، لكن العكس هو الصحيح؛ فكلما زاد في الكراهية حمل عبئًا ثقيلًا لا أحد يشعر به سواه. وكذلك الحب المفرط، فإن صاحبه يعاني من عدم المبادلة من الطرف الآخر، فمع أنه يحبه، إلا أنه يُحبه بطريقة زائدة عن الحد الطبيعي، مما قد يؤدي إلى انقلاب ذلك الحب إلى كراهية، وهنا تكمن المشكلة.

وقد لخّص الإمام علي هذه الفكرة بحكمة بليغة حين قال:

”أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْمًا مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْنًا مَا، عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْمًا مَا.“

وفي كل الأمور الحياتية، سواء كانت نفسية أو تعاملات خارجية، فإن المطلوب هو التوازن والاعتدال؛ فكلما نضج العقل بطريقة متوازنة، استوت الأمور بطريقة مريحة وهادئة، بينما يؤدي عدم التوازن إلى التعب وإعاقة مسيرة الحياة. ونلاحظ ذلك في توصيات المختصين في الطب العلاجي، حيث يؤكدون على الاعتدال حتى في الأمور الإيجابية، كما هو الحال في الحب، فهو أمر إيجابي لكن ينبغي ألا يتجاوز الحد الطبيعي.

وحتى في الأمور الدينية والعبادية، نجد أن الرسل وعلماء الفقه يوصون بالاعتدال في الوضوء أو الصلاة، حتى لا تتحول العبادة إلى عبء نفسي، والعياذ بالله. وقد نهى القرآن الكريم عن الغلو في الدين، كما في قوله تعالى:

﴿يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ [النساء: 171]

فالدين جاء لإسعاد الناس، ولكن بالطريقة المعتدلة، دون تطرف أو مبالغة.

وكذلك في التربية، يُوصي علماء النفس والتربية بالاعتدال والتوازن بين الأبناء، حتى في حال وجود طفل من ذوي الإعاقة الجسدية أو التأخر العقلي. فالإفراط في الاهتمام بأحد الأبناء على حساب الآخرين قد يخلق مشاكل أسرية ويزرع العداوة والغيرة بينهم.

إذن، فالاعتدال هو المنحى السليم الذي يُعالج كثيرًا من المشاكل الحياتية، فلا إفراط ولا تفريط