من أجل مجتمع لا تهزّه صافرة نهاية
ما أحوجنا في هذه الأيام، التي اختلطت فيها الأمور وتبدّلت فيها المعايير، إلى الترفّع والحكمة. فقد سادت بين أفراد المجتمع الواحد نزعة رياضية متشنّجة، تجعل من نتائج المباريات سببًا للخلاف والتجريح، بدلًا من أن تكون مجالًا للتنافس الشريف والفرح الجماعي. فالوحدة هي صمام الأمان للمجتمعات، والرياضة ينبغي أن تكون من أدوات تعزيزها لا تقويضها. يقول الشاعر:
تَأبى الرِماحُ إِذا اِجتَمَعنَ تَكَسُّراً
وَإِذا اِفتَرَقنَ تَكَسَّرَت آحادا
بات بعضنا ينتظر زلّة الآخر، ويضخّم الهزائم ويقلّل من النجاحات، بل ويفتح باب التراشق والتعليقات غير المسؤولة، خاصة في وسائل التواصل. هذا كله يحدث لمجرد أن فريقًا لم يُوفَّق في تحقيق ما يرجوه من إنجاز. وهنا، تبرز أزمة حقيقية في فهم معنى الرياضة، التي ينبغي أن تجمع لا أن تفرّق، وأن تزرع التسامح لا أن تشعل الفتنة.
هل من المنطق أن يُقابل فوز فريقٍ بتعليقاتٍ جارحة من مؤيدي الفريق الآخر؟ وهم جميعًا أبناء مجتمع واحد، يجمعهم الدين، والعادات، والتقاليد، والقرابة؟ إن ما نحتاجه اليوم هو احترام مشاعر الآخرين، والابتعاد عن التصيّد والتجاذب الذي لا طائل منه. يقول النبي ﷺ: ”الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ“. ويقول الله تعالى: ﴿وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا﴾ [البقرة: 83]، فالكلام الطيب مفتاح القلوب وسبب للألفة.
الرياضة مكسب وخسارة، ويوم لك ويوم عليك. والفوز الحقيقي لا يكون بتسجيل الأهداف فقط، بل بكسب الاحترام، وتعزيز روح الأخوة، وتقبّل النتائج بروح عالية. إن فوز أي فريق منّا يجب أن يُعدّ نجاحًا للمجتمع كله، لأن البذرة واحدة والثمار تصبّ في صالح الارتقاء بالمستوى الرياضي المحلي. يقول النبي ﷺ: ”لا يُؤمِنُ أحدُكم حتى يُحِبَّ لأخيه ما يُحِبُّ لنَفْسِه“. ففرحة أخي هي فرحتي، ونجاحه هو نجاح لي ولمجتمعي.
فلنُعزز ثقافة التسامح، ونرتقِ بأخلاقنا، ونترفّع عن القيل والقال، حتى تظل رياضتنا مصدر وحدة لا خلاف، ومجتمعنا جسدًا واحدًا مهما اختلفت الانتماءات.
ونختم بقول الشاعر:
كُن بَلسَماً إِن صارَ دهرُكَ أَرقَما
وَحَلاوَةً إِن صارَ غيرُكَ عَلقَما
وَاِحفَظ لِوُدِّ أَخيكَ إِن هُوَ لَم يَحُل
وَاِصفَح إِذا ما كانَ مِنهُ تَجَرُّما
والله ولي التوفيق.