الإنسان والكتب.. من يمسح الغبار عن الآخر؟
عندما يمسح محبٌّ للكتب الغبار عن كتب متراكمة ومتراكبة على رفوف مكتبة ما فهو إنما يفعل ذلك حفاظًا عليها من أي ضرر قد يلحق بها، وإظهارًا لحبه لها، ومن أجل استدامة الاستفادة منها لكل راغب في النهل من علومها ومعارفها.
لكن الحقيقة أن الكتب هي التي تمسح الغبار عن عقول قارئيها؛ بين كتب تثري ذوائقهم اللغوية والأدبية، وأخرى تنير لهم دروبًا من الفهم السليم والتفكير القويم، وثالثة تمنحهم معلومات محدثة عن آخر مستجدات العلوم والفنون والآداب في العالم. كما أنها تمسح غبار الأفكار القديمة عن العقول؛ مجددة إياها وباعثة الحياة حتى في المفردات والكلمات.
فمهما كان مستوى تفكيرك أو أفكارك التي تحملها عن قضية ما فإنها سوف تتقادم مع الوقت في ظل التطورات المتسارعة التي تحيط بكل شيء في العالم. حتى أفكارنا التي ربما بقيت مئات السنين لم تتغير ولم تتبدل تحتاج منا أن نبعث فيها روحًا جديدة؛ من خلال تغيير مظهرها أو إضافة بعض التعديلات أو اللمسات عليها حتى تبدو في حلة جديدة وجاذبة لجيل جديد لم تعد تجذبه بلباسها القديم؛ ربما لأنها قديمة في شكلها الخارجي، أو لأنه قد علاها الغبار بمرور السنين، ولا تحتاج إلا لإزالة طبقات الغبار عنها لكي تصبح مقبولة عند البعض.
أما حينما يبقى الإنسان بعيدًا عن الكتاب فهو إنما يكون كمن عرّض نفسه للعزلة عن عالم يشع بالنور والفكر، فيتراكم عليه غبار الزمن، ويصبح كل ما لديه من معلومات قديمًا عفا عليه الزمن، وهو أيضًا كمن أعرض عن كنز كبير، كما قال أحدهم: ”إن الكتب التي علاها الغبار كالكنز المنسي“.
يصبح الإنسان المبتعد عن الكتب مع الوقت كالحواسيب التي لا تُحدَّث أنظمة تشغيلها، فتغدو غير قادرة على استيعاب أو تشغيل الجديد من البرامج. هكذا يصبح الإنسان غيرَ مُواكِبٍ لمستجدات الفكر والثقافة وسائر العلوم المستجدة والمتجددة في كل ساعة، وهو ما يتطلب منا عدم الابتعاد عن منابع المعرفة التي يعد الكتاب أُسَّها والحرف الأول في أبجديتها.
*يجب أن تذهب الكتب إلى المكان الذي تحصل فيه على تقدير أكبر، ولا تجلس دون أن تقرأ ويجتمع عليها الغبار على رف منسي. كريستوفر بوليني