آخر تحديث: 12 / 6 / 2025م - 10:28 ص

الولاية ومفاتيح الجنة

أثير السادة *

عنوان الكتاب: قبول الأعمال، هل هو بالولاية أم بغيرها

المؤلف: الشيخ علي الفرج

عدد الصفحات: 222 صفحة من القطع المتوسط

الطبعة الأولى 2024 م

الإبحار عكس التيار هو النية المعلنة في مقدمة كتاب الشيخ علي الفرج الأخير والموسوم بـ ”قبول الأعمال هل هو بالولاية أم بغيرها“، حيث ينشغل الفرج بإعادة التفكير والتفسير والشرح لمقولة يرى بأنها ترسخت في الذهنية الدينية الشيعية وهي عدم قبول أعمال العباد إلا بالولاية، والولاية هنا تعني الولاء لأهل البيت والاتباع لمنهجهم وعقائدهم بالنحو الذي يقدمه الفكر الإمامي.

من الشك في هذه المقولة، وما تؤسسه من تضييق لنطاق الثواب والعقاب الأخروي، ينطلق الفرج في مراجعته تلك، مراجعة هاجسها إعادة موضعة صورة الآخر الديني على خط الآخرة، محاولا تلمس طريقا بديلا لإثبات مسألة قبول العبادات في النص الديني، يبدأ فيه من ذات النصوص المؤسسة للمقولة الكبرى إياها، وهي الأحاديث المروية في كتب الحديث، إلا أنه يعيد ترتيب الأولويات في الفهم والاحتجاج، كالانطلاق من الدليل العقلي القائل بقبح العقاب بلا بيان تارة، أو بتوسيع مظلة النص القرآني في محاكمة تلك النصوص المستفيضة.

لا يجادل الفرج في كون محبة أهل البيت واجبة، وأن بغضهم من الذنوب، بيد أنه يبدي حذرا شديدا في وضع المبغضين في سلة واحدة،، فيمضي إلى تصنيفهم إلى مبغض جاحد ومبغض مقصر وآخر قاصر، وإذا كان هذا الأخير له معذوريته يوم القيامة بحسب القاعدة العقلية، أي قبح العقاب بلا بيان، فإن الاثنين الآخرين برأي الفرج يدخلان في عنوان إنكار الضرورات التي لا توجب الكفر، وكذلك لا يوجب الجحود بدوره الخلود في العذاب، وإنما العذاب المؤقت، معتبرا أن النص القرآني يفيد بأن التوحيد وحده كفيل بمنع خلود الكثير من الناس في النار، وهو الأمر الذي ستعارضه بعض الروايات وهي تجعل من إنكار الولاية وجها من وجوه الشرك، أو تجعل من الولاية نفسها ميزانا لدخول الجنة أو النار، والتي سيحاول الفرج معالجتها من خلال مراجعة المتن والسند تارة، ومن خلال وضعها أمام نصوص القرآن تارة أخرى.

طوال الكتاب سنجد كيف يصبح إنكار الولاية معادلا للكفر في الأخبار والروايات، ما يجعل عالما مهما في عالم الكلام والفقه الشيعي كالشيخ المفيد يذهب لاعتبار منكر ولاية إمامة أحد من الأئمة والجحود بها سببا للخلود في النار، هذا ما دفع الفرج لشرح أقسام الكفار في آراء العلماء أولا، فمن العلماء الشيعة من اقتصر مسألة الكفر في ”العالم المنكر“ دون العامة، أو من خص الكفر بالآخرة دون الدنيا، أي أن المخالفين هم مسلمون في الدنيا، وكفار في حساب الآخرة، وذلك قبل أن يأخذنا في رحلة تأملية مع الدليل القرآني في معنى الكفر، والدليل العقلي في أحوال المستضعفين من الكفار، ويراجع الروايات المختصة بعنوان الكفر، التي يرى بأن بعضها تتعارض مع روايات أخرى، وبعضها الآخر به مجاهيل، والبعض لا يخلو من غلاة، وغيرها ”ساقط الاعتبار“ لمعارضته نصوص القرآن، لينتهي بعدها إلى القول بأن الكثير من الروايات عن أهل البيت تتحدث عن ذلك الزمن، الذي كانت فيه الأمور أكثر وضوحا، زمن حضور الأئمة، بخلاف هذا الزمن الذي تراكمت فيه الأدلة عند كل المذاهب، وصار لكل مذهب طريقه في الإثبات والبرهنة، وهذا يحتم علينا بنظر الفرج ضرورة احترام اجتهاداتهم في هذا الجانب.

هذه النبرة من التسامح مع المختلفين ستوجه لغة وخطاب الفرج داخل الكتاب، فهو يرى بأن ”الاعتقاد بالإمامة ليست من الأمور الواضحة والبديهية عند المذهب الآخر في زمننا هذا“، لذلك ستطل هذه النبرة مرة أخرى في مراجعته لعقاب غير الموالين لأهل البيت، في عمومهم، سواء كانوا جاحدين أو غير جاحدين، حيث يقلب الكثير من المرويات الخاصة بهذا العنوان، كما يقلب آراء العلماء التي لا تخلو من اختلاف، ومن الجمع بين الكفر في الدنيا والآخرة لمنكر الولاية، ليلمح بعد المراجعة والنقد لمعظم الروايات إلى وشك انقراض من يصدق عليهم بالجاحدين في زماننا، وأن جميع المذاهب لا يبعد على حد قوله أن تكون مصداقا للقاصر، أي من تعذر عليه الوصول إلى الحقيقة.

بالنسبة للباحث الفرج هنالك ميزان سماوي واضح في القرآن فيما يتعلق بقبول الأعمال، يشمل حتى غير المسلمين من الديانات السماوية، ترتكز على التوحيد والإيمان بالمعاد من غير جحود، فهم ضمن دائرة التسامح الإلهية، حيث الدعوة القرآنية المستمرة لإقامة دور العبادة والتعبد والتقرب إلى الله، وحيث الوعد بالقبول والثواب دون اشتراط الولاية مطلقا، مشددا على فكرة المعذورية، وأن التفاوت هو في قيمة الأجر عند الله الذي وحده من يختص بالثواب والعقاب، وذلك مقتضى العدالة برأي الفرج، فكما أن المؤمنين درجات يوم القيامة، كذلك هم من عملوا بنيات خالصة، وبيقين حق، وإلا فإن كل الفرق والأديان ترى بأنها على حق وأن ما عداها على باطل، وهذا ما يدفع الشيخ الفرج للميل إلى أن كل الفوارق الشكلية ستذوب بين المذاهب في يوم القيامة، وأن ”الفصل بين الطوائف البشرية“ سيتم بالنيات.