آخر تحديث: 13 / 6 / 2025م - 11:38 ص

رسالتك!

عادل أحمد آل عاشور

وعلى غرار نظام بعض الشركات حيث يضعون لوحات في مقدمة مدخل الاستقبال، توضح رسالة الشركة ومهامها وأهدافها، كنظرة توضيحية لكيان هذه الشركة وأهدافها التي وُجدت من أجلها. حيث تقوم هذه الشركات بتقديم الخدمات للمستفيدين والحصول على الربح بالمقابل. وإضافة إلى ذلك، قد تشارك بعض الشركات في الجوانب الخيرية كداعم مساند وتكافل خيري للمجتمعات.

وبالتأمل والمقارنة قليلًا بين الشركات وبيننا نحن البشر! وكيف ننظر نحن لأنفسنا ككيانات موجودة على هذه الأرض، وما هي رسالتنا ومهامنا وأهدافنا في هذه الحياة!

ونسأل:

هل يا ترى أن سبب وجودنا هو الاستمتاع المطلق في هذه الدنيا؟

أم أن هناك رسائل ومهامًا وأهدافًا!

لا أعتقد بأن وجودنا يقتصر على أنفسنا وذواتنا فحسب! في أن نستمتع بملذات الحياة وزينتها وما لذ وطاب من مأكل ومشرب وغيرها من متع الحياة التي لا حصر لها! والتي قد لا تنتهي بانتهاء العمر!

فكل سير الأنبياء والأولياء والصالحين كانت تصب وتركز على جانب مهم في هذه الحياة، ألا وهو الدعوة والإصلاح، والأخذ بالمجتمعات إلى ما هو نافع لهم في دنياهم وآخرتهم. فكانت مبادرات الخير والإصلاح واضحة في رسائلهم. وكان أكثر ما يشغلهم هو أن يعيش الناس في سلام ووئام بين بعضهم البعض، في أن يسود العدل بينهم، بعيدًا عن كل صور الحقد والحسد والبغض والكراهية. ولم ينكفئ أحدٌ من أولئك الأنبياء والصالحين على نفسه ويغلق بابه وينعزل عن مجتمعه وناسه! بدعوى أنه ليس مكلفًا بأمر أحد، ولا يهمه أحد، أو بدعوى: دع الخلق للخالق!

وظني أننا مشتبهون نحن البشر حينما نعتقد ونظن بأن الانكفاء على النفس هو الأصلح والأسلم لنا!

فليس ذلك هو الإعمار والإصلاح قطعًا!

فقد كانت ولا زالت رسائل أولياء الله مليئة بالتحديات والصعوبات وصراع محتدم بين الخير والشر وقوى الحق والباطل. وما كانوا لينكفئوا على أنفسهم دون أن يحملوا على عواتقهم مسؤولية ترسيخ مبادئ العدل والقسط ونشر الخير وإصلاح الفساد. ولم تكن الملذات وأصناف الأطعمة شغلهم الشاغل! ولم يكن المال والذهب والفضة يقلق أذهانهم!

فقد كانت ولا زالت رسائلهم جلية، واضحة المهام والأهداف، تطبيقًا لرسائل السماء وتعاليم الكتب والمناهج الربانية، التي كانت تحمل أهدافًا رئيسية واضحة، في سبب خلق الإنسان على وجه هذه الأرض، والتي تنص على بسط يد العدل والإعمار والإصلاح، وليس الهدم والتخريب.

ولك أن تتأمل في قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا [النساء: آية 135].

ورسائل الإعمار والبناء هي رسائل جوهرية تهدف لإصلاح الفساد بين الناس، ونشر الخير في أوساطهم بدلًا من أن يسود الشر ويفتك بهم.

فحركة الإصلاح تحتاج إلى قوة وطاقة من الإيمان الحقيقي، الذي يكرّس هذا المبدأ العظيم من الأهداف السماوية العالية، في القيام بمبادرات حثيثة تقوم وتصلح أي خلل هنا وهناك، وكل ما من شأنه إعمار هذه الدنيا.

ففي كل بادرة خير أجر وثواب كبير عند الله تعالى، فلا يُستهان بهذا العمل الإنساني العظيم، وهذا يقينًا مصداق لما جاءت به الرسائل السماوية.

ومع كل الاحترام لمقام الإنسان العالي وصورته بين الكائنات الأخرى!

فتلك البهائم من الكائنات الحية المختلفة، على كل أشكالها وأصنافها، تعيش، وكل همها هو مأكلها ومشربها!

حيث إن الإنسان يمتاز عن بقية الكائنات بما يملك من عقل واعٍ، ويدرك الهدف الحقيقي من الخلق، والذي يجعله يفكر ويتأمل مليًّا بأنه لم يُخلق عبثًا، فهناك مهام كبرى وواجبات يقوم بها، لأنه بمثابة الخليفة في هذه الأرض، يعمرها ويبنيها.

كي يحقق ما جاء به الأنبياء والأولياء والصالحون، في الدعوة للبناء والإصلاح والإعمار!

وأخيرًا نختم بالسؤال:

ما هي مبادراتك الخيّرة في الإعمار والإصلاح في محيط حياتك؟

هل يا ترى قمت بدورك الحقيقي في هذا الإعمار والإصلاح، أم كانت أهدافك منصبة في طعامك وشرابك وما لذ وطاب!