الكوتشينج «Coaching» رحلة اكتشاف الممكن
وصلتني العديد من التساؤلات حول معنى الكوتشينج وما الغاية منه. قد تكون هذه التساؤلات بسبب فقدان المعرفة التامة به، أو عدم وجود ما يكفي من معلومات ثقافية منتشرة حوله، أو ممارسة غير كافية، أو ربما لعدم اهتمام البعض به، وقد يكون بسبب عدم وضوح الغاية منه. لذا إليكم هذه المقالة التي تجيب عن هذه التساؤلات.
بدايةً، لا بد من التمييز بين بعض المسميات ودور ومهام كل منها؛ الأخصائي الاجتماعي، الأخصائي النفسي، المرشد، المدرب، المستشار، حتى يتضح الفرق بينهم ويزول اللبس، ويتضح دور الكوتش.
الأخصائي الاجتماعي: ”هو الشخص المتخصص في دراسة السلوك الاجتماعي للأفراد والجماعات، ويعمل على مساعدتهم في التكيف مع البيئة المحيطة وحل المشكلات الاجتماعية، خاصة في المؤسسات التعليمية أو الصحية أو الإصلاحية“. ومن المهام الموكلة به وضع خطط للتدخل الاجتماعي لتحسين ظروف الحياة.
الأخصائي النفسي: ”هو شخص حاصل على تخصص في علم النفس، ويعمل على تقييم وعلاج المشكلات النفسية والسلوكية من خلال اختبارات وأدوات علمية“. ومن المهام الموكلة به إجراء اختبارات نفسية لتحديد مستوى الذكاء أو الشخصية أو الاضطرابات النفسية.
المرشد: ”هو شخص متخصص يقدّم الدعم والإرشاد للأفراد لمساعدتهم في اتخاذ قرارات مناسبة أكاديميًا أو اجتماعيًا أو مهنيًا“. ومن المهام الموكلة به توجيه الأفراد لاختيار المسار المناسب لهم في الحياة؛ أكاديميًّا أو مهنيًّا.
المدرب: ”هو شخص مختص في تقديم التدريب العملي أو المهاري في مجال معين، بهدف تطوير قدرات المتدربين وتحقيق أهداف تعليمية أو مهنية“. ومن المهام الموكلة به تنمية المهارات الشخصية أو المهنية «مثل القيادة، التواصل، المهارات التقنية…» وتقييم نتائج التدريب وتقديم التغذية الراجعة.
المستشار: ”هو شخص يمتلك خبرة أو تأهيلاً عاليًا في مجال معين، ويقدّم رأيًا مهنيًا أو حلولًا لمشكلات الأفراد أو المؤسسات بناءً على تحليل معمق“. ومن المهام الموكلة به تحليل الموقف أو المشكلة وتقديم النصح أو الحلول الممكنة، وتقديم خدمات إرشادية أو علاجية.
الآن، وبعد أن عرفنا كلًّا من هذه التعريفات وبعض المهام، دعونا نغوص في فهم الكوتشينج وطبيعة عمل الكوتش.
كثيرًا ما نسمع عن هذا المصطلح ”كوتشينج“، وقد كتبت عنه خمس حلقات في الفيسبوك، وكانت المقالات موجهة بشكل خاص لمن يرغب في أن يصبح كوتشًا، أو ما يُطلق عليه بالعربية ”مدرب حياة“ للتسهيل، رغم أن الترجمة لا تصل به إلى المعنى الحقيقي المراد منه. وقد ارتأيت أن أكتب هذه المقالة موجهةً لعموم الناس، حتى يتسنى لهم الفهم الحقيقي، وبعيدًا عن الترجمة السطحية، كوني حاصلًا على شهادة الاعتماد ”ACC“ في هذا الحقل، وبما لديّ من إحاطة في هذا الجانب. وسأظل أستخدم المصطلحات التالية: كوتش ويعني المدرب، كوتشي وتعني المتدرب أو المستفيد، بالإضافة إلى بعض المصطلحات الأخرى التي سوف أضعها بين هلالين عندما أستخدم الكلمة الإنجليزية.
بدايةً، الكوتشينج ”Coaching“ مصطلح أجنبي تم استخدامه لعدم وجود ترجمة عربية تفي بالغرض منه، إلا أن أقرب معنى لهذا المصطلح هو كلمة ”التمكين“ أو ”التدريب الذاتي“، حيث إنه يرتكز على ثلاثة عناصر أساسية، هي: الكوتش ”Coach“، الكوتشي/المستفيد ”Coachee“، والعلاقة بينهما ”Relationship“.
الكوتشينج وسيلة لتمكين الناس بشكل فعّال من العثور على إجاباتهم الخاصة، والإشادة بهم، ودعمهم خلال الطريق في الحياة بشكل عام، حيث يستمرون في اتخاذ خيارات الحياة الهامة لهم من أجل تحسين أدائهم العملي والاجتماعي.
نتخذ العشرات، بل المئات، من القرارات بشكل يومي للقيام بأعمال محددة ومختلفة. سواء قمنا بها أو لم نقم، فإن هذه الخيارات تسهم في حياة عملية أكثر فاعلية أو أقل فاعلية. وهكذا، على مستوى معين، فإن عملك يقوم على ثلاثة مبادئ أساسية، هي: الوفاء للنفس أو الإشباع الذاتي، والتوازن، والعملية التي تقوم بها، أي الطريقة ذاتها. وسميت مبادئ لأنها ضرورية وحيوية للحياة، كما هي العناصر الثلاثة لاستمرار الحريق: الأكسجين، والحرارة، والوقود.
نعني بالوفاء للنفس ما يملأ القلب والروح من القيم الإنسانية. أما التوازن، فنقصد به الموازنة بين ما ترغب فيه وبين ما تنجزه من أعمال دون هدر أو إهمال، سواء كان متعمدًا أو غير ذلك. والعملية هي تلك الطريقة التي تتخذها لإنجاز تلك القرارات، ولكن قد لا تلحظ الكثير من الفاعلية التي تساعدك على إتمام عملياتك اليومية بشكل أفضل.
فمهمة الكوتش تنصبّ في أخذ المستفيد في رحلة مكوكية - إن صح التعبير - ليكتشف ذاته وقدراته وقيمه التي تختبئ داخله وفي أعماقه، حتى يتمكن من إنجاز جميع مهامه وتنفيذ قراراته بشكل أكثر جودة وفاعلية. سيعمل الكوتش مع المستفيد على استخدام العديد من التقنيات والأساليب الخاصة بالكوتشينج، بناءً على ما تتطلبه الجلسة وخلال الرحلة.
فمن تلك التقنيات والأساليب: ”Fulfillment“ وهو العمل على حشد الهمة، وكذلك ”Process“ أي المعالجة، وذلك من خلال الاستماع للشعور الذي يكتسي المستفيد في اللحظة الآنية. وهناك تقنيات أخرى مثل ”Balance“ التوازن، والذي يعمل الكوتش من خلاله على خلق توازن لدى المستفيد بين ما يريد أن يحتفظ به لنفسه من خيارات والتخلي عن البعض منها، بعد تحديد الموضوع ”Topic“، والنظر في المحتملات ”Prospective“، واكتشاف المقيمات أو المحفزات المختارة ”Resonant Choice“، باستخدام استراتيجية التكوين والفعل ”Co-active Strategy“، ومن ثم الالتزام ”Commitment“، والعمل والتطبيق ”Action“ كمرحلة أخيرة في هذه الرحلة.
قد يصل المستفيد إلى نقطة انغلاق في التفكير أو التعبير، ما يجعل الكوتش يستخدم تقنية التعاضد ”Synergy“ عبر توسيع النطاق ”Expanding Range“ ما أمكن، دون حدود معيّنة، وكسر كل القوانين الحاجبة للتقدم، وذلك من أجل إثارة التحول لدى المستفيد. وعليه أن يعلم - أي المستفيد - بأن هذا التحول لا يأتي من الكوتشينج الآمن أو الروتيني أو حتى التفكير السائد. كما أن التعاضد يشمل سرد أو خلق قصص تحاكي الواقع الذي يعيشه أو يتصوره المستفيد، والتي بدورها تأخذه إلى عالم آخر يستنطق به ذاته، ويتحسس من خلاله مشاعره، ويتطلع من خلاله نحو غاياته وأهدافه.
في الختام، وباختصار، فإن الكوتشينج هو رحلة اكتشاف الممكن.