لست هنا لكنك ما زلت فينا
إلى من رحل جسده، وبقي أثره حيًا، إلى ابني الغائب الحاضر في كل شيء، إليك يا من منحت حياتي طعما ومعنى..
غيابك لم يكن كأي غياب. لم يمرّ كحدث عارض. ومع ذلك، كلما نظرت حولي، أجدك في التفاصيل الصغيرة، في الذكريات، في الضحكة التي لا تزال تعيش في أذني، في رائحة كل ركن من أركان المنزل التي احتفظت بك أكثر مني. أنت لم ترحل عني، فقط أصبحتَ تعيش في أعماقي.
كنت لا أطلب من الدنيا الكثير، فقط أن تكون بخير كبقية أفراد عائلتي. وجودك كان سبب في توازن الكثير من أموري الحياتية. الآن، بعد رحيلك، تغير كل شيء. لكن الحقيقة التي لا تتغير هي، الذين أحببناهم بصدق لا يُنسون، بل متجذرون داخلنا، كما تتجذر جذور شجر الزيتون في أعماق الأرض.
قد يمر الوقت، يبرد الحزن ظاهريًا، لكن ما تركته في روحي لا يخفت. كلماتك، شهامتك، ما كنت عليه من نقاء وخلق وابتسامة لا تشبه سواك، هذه أشياء لا تموت. تركتَ لي ما يكفي لأحدثك كل يوم، وأشتاقك كل ليلة، وأراك في كل شيء جميل.
لن أُنساك، سأبقى أذكر اسمك، أدعو لك، أُخبر الناس كم كنت عظيمًا رغم صغر سنك. سأبقى وفيًّا لك كما كنتَ وفيًّا لي. ليس لأنك رحلت، بل لأنك كنت في حياتي بركة، وفي رحيلك درسًا، وفي ذكراك حياة.
كنت الإبن الذي حين أضيع، أعود إليك. حين أتعب، أستمد منك قوتي. غيابك جعلني أرى العالم من منظور آخر، أكثر عمقًا، أكثر امتنانًا، وأكثر إدراكًا لما هو حقًا ثمين. علّمتني، من بعدك، أن الحياة لا تُقاس بطولها، بل بما نتركه في من نحب.
مهما مرّ الزمان، سأبقى أراك بين السطور، في دعاء الليل، في صمت الفجر، في نظرة عيني حين تدمع دون سبب. لا أحتاج ليوم ذكراك لأتذكرك، فأنت في كل أيامي. أنت ”لست هنا“، لكنك ما زلت فينا، كلّنا. في كل نبضة، وكل ذكرى، وكل حنين.
يا من كنتَ ابني، وصرتَ روحي، لن تُختصر في نص، ولن تُنصفك الكلمات. لكني أكتب، لا لأحكي عنك للناس فقط، بل لأُذكّر نفسي، أن من يملأ القلوب، لا يُودَّع أبدًا.
اللهم يا واسع الرحمة، ويا أرحم الراحمين، ارحم ابني «فراس»، واغفر له، واجعل قبره روضة من رياض الجنة. اللهم اجعل اسمه في عليّين، وروحه في جنات النعيم، وارزقني الصبر حتى ألقاه، واجعل ما أصابني كفارة ورفعة يا رب العالمين.