الموت حبًّا.. والصفع عشقًا!
هل سرق ماكرون وزوجته قصة حبهما من رواية «الموت حبًّا»؟!
ما أثير مؤخرًا حول صفعة بريجيت ماكرون، التي قيل إنها وجهتها إلى زوجها الرئيس إيمانويل، جعلني أتذكّر ما قرأته بداية الثمانينات الميلادية في رواية «الموت حبًّا» لبيار دوشين، التي صدرت ترجمتها إلى العربية من دار الآداب اللبنانية، حيث تماثل بطلاها وقصة حب بريجيت وماكرون بعد ذلك بسنوات. فبريجيت من عائلة ثرية تخصّصت في صناعة الشوكولاتة، وقد تزوجت من رجل أعمال يدعى أندريه لويس أوزيير، وأنجبت منه ابنًا وبنتين. إذ عملت بإجازتها في البكالوريوس مدرسةً في اللغة الفرنسية وأدبها في مدرسة «راهبات القلب المقدس»، وكان من طلابها إيمانويل ماكرون، الذي درس في هذه المدرسة مراحل التعليم ما قبل الجامعي، وكانت إحدى بنات بريجيت زميلة له. إلا أن أمها رَقّ قلبها لطالبها الوسيم في المرحلة الثانوية، واصفةً إياه بالعبقري الصغير، وهو يؤدي تحت إشرافها دورًا في مسرحية من رواية لميلان كونديرا الفرنسي من أصل تشيكي. ورغم ممانعة عائلة ماكرون الزواج من مدرّسته، إلا أنه - وقد تعشّقها - تعهّد لها بالزواج، وهذا ما حدث بعد تطليقها من زوجها سنة 2015.
يا ترى، هل كان العاشقان قد قرآ رواية «الموت حبًّا» التي تحولت إلى فيلم سينمائي في أعقاب الحركة الطلابية الشهيرة في باريس سنة 1968؟
فرواية بيار دوشين تحكي قصة دانيال، المدرسة ذات العمر الثلاثيني في الليسيه، التي دقّ نبض قلبها صوب تلميذها جيرار ذي السابعة عشرة سنة، حبًّا حاول جرف المواضعات الاجتماعية السائدة. إلا أن والد الشاب، رغم أنه من المنضوين تحت حركة الطلاب تلك، إلا أنه رفض، ومعه نخبة المجتمع الباريسي، هذه العلاقة غير المتكافئة بين المدرسة والتلميذ، محاولًا درأها مستعينًا بسياسيين وقضاة ورجال أمن وعلماء نفس، لإعادة العاشقين إلى رُشدِهما، متهمين دانيال باستغلال عواطف تلميذها اليافع، وقد اعتُبر طفلًا من وجهة نظر قانونية، وأنّ ما ارتكبته فضيحة اجتماعية مدوّية، فكان الانفصال رغم تشبث المدرسة بحبّ صغيرها.
كانت الحركة الطلابية بمفاعيلها قد ”قطعت“ مع زمن الحرب العالمية الثانية بمواريثها الاجتماعية التي اعتُبرت فاسدة، والثقافية التي وُصمت بالبالية، لكونها متأتية من القرن التاسع عشر، مؤذنةً بعصر جديد مبشّر بحرية اجتماعية ثائرة على كل ما هو نمطي، لا في التعليم الجامعي والعلاقات الإنسانية وحدهما، وإنما طالت هذه الحركة وقتذاك - حيث حرب فيتنام - عوالم المفكرين والأدباء والروائيين. وقد مالوا نحو اليسار الماركسي، حيث رفع فلاسفة فرنسا - وفي طليعتهم جان بول سارتر - لواء القطيعة مع ماضي فرنسا ومستقبلها، وكان ميشيل فوكو من الذين نزلوا إلى الشارع، وغيره من أساتذة الفلسفة في جامعة السوربون، مساندين طلبتهم.
أما ناتالي ساروت فغدت ملهمةً لهم، بكتاباتها السياسية والثقافية والأدبية، وقد تطارحتها بوعي جديد لمتغيرات المجتمع الفرنسي، مرتادةً أسلوبًا جديدًا في الكتابة الروائية، اتّسم بمضادته للتقاليد الفنية، ومُتَشَكِّكًا عبر كتابها «عصر الشك» في القيم الدينية والأخلاقية، متسائلةً: هل الرواية فن؟ وإذا كانت كذلك، أليس هدفها إحداث هزّة تؤدي إلى تغيير في شعور القارئ، ليكون قادرًا على تلقي كل جديد؟ مصممةً على التجديد باستمرار، بصرف النظر عن الاهتمام بالمغزى والحكمة أو أي شيء آخر، فإن ما يميز الرواية الجديدة ليس طموح التقليديين ومقدرتهم على الخيال، وإنما رفض ما نواجه به الواقع في عصرنا الحاضر.
وقد افتتحت جوليا كريستيفا، الناقدة الأدبية الفرنسية من أصل تشيكي، بأطروحاتها اللسانية والتناصية مداولات جديدة في الخطاب النسوي، فهي الأخرى شاركت في مفاعيل الحركة الطلابية الثقافية، ثائرةً على النظام التعليمي. وكذلك تزفيتان تودوروف، الذي تأثّر بمعطيات الحركة في دراساته اللغوية اللسانية، فهو من أطلق أن ”الأدب في خطر“، وهذا عنوان أحد كتيباته، مساندًا رولان بارت في دعوته إلى «موت المؤلف»، داعيًا إلى وضع إنسانيّ أفضل بعد هيمنة ثالوث «الشكليّة، والعدمية، والأنانية» المستند في فرنسا حينها إلى الرفض، ملمّحًا إلى الحركة الطلابية، التي جعلت الصلة بين الأعمال الفنية والعالم ما هي إلا وهم.
هذا كله أحدث هزّة عنيفة في المجتمع الفرنسي، بل الأوروبي، ترددت آثارها في قضايا التعليم وفلسفة الأخلاق، وتجاوزته إلى هيبة الحكم وشخصية الحاكم... وهذا ما جرى للرئيس «العاشق» فاليري جيسكار ديستان. فرغم محاولات جاك شيراك الديغولي مواصلة أداء تقاليد الجمهورية الخامسة، محاولًا القضاء على معطيات الثورة الطلابية، التي شكّلت تهديدًا للمعايير الأخلاقية البرجوازية، إلا أن ذلك لم يردع زعيمًا يمينيًّا من إصدار رواية بعنوان «الأميرة والرئيس»، وما كان الرئيس المتخيّل روائيًّا سوى ديستان نفسه! وهو يسرد في روايته قصة حب متبادلة بين رئيس شبيه بديستان وأميرة بريطانية أسماها باتريسيا، حيث فسّر نقّاد الرواية أنها لم تكن سوى إسقاط لرئيسهم الأسبق على حبه لأميرة متخيلة، اتضح في ما بعد - وهو في أرذل العمر - افتتانه المنبهر بجمال الأميرة الحقيقية ديانا سبنسر!