آخر تحديث: 12 / 6 / 2025م - 11:28 ص

الحج وصحة الإنسان في ظل التحول

دكتورة لمياء عبدالمحسن البراهيم * صحيفة اليوم

في كل موسم حج، تحتشد الأرواح قبل الأجساد في أطهر بقاع الأرض. ملايين الحجاج من كل فجٍّ عميق يحملون دعاءهم وخضوعهم، وبين الطواف والسعي، وفي زخم هذا المشهد العظيم، تتحرك المنظومة الصحية السعودية بكامل طاقتها، دون ضجيج، لكنها تسجّل حضورًا يُحتفى به عالميًّا عامًا بعد عام.

التقرير السنوي لتحول القطاع الصحي لعام 2024 كان مليء بالشواهد على نقلة نوعية، تقودها رؤية طموحة ودعم لا محدود من خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد، جعلت من ”صحة الإنسان هي الغاية الأولى والأسمى“ مبدأً يُبنى عليه كل شيء.

التقرير لم يكن حصرًا لإنجازات تقنية أو توسعية فقط، بل وثّق تحولًا في الفلسفة الصحية ذاتها، من إدارة أزمات إلى استباقها، من علاجٍ إلى وقاية، من مركزية القرار إلى لامركزية الخدمات، ومن الحديث عن المواطن... إلى الحديث معه.

وفي موسم الحج تحديدًا، تتجلى هذه التحولات بأوضح صورها. إذ أعلن وزير الصحة عن رفع الطاقة السريرية بنسبة 60% مقارنة بالعام الماضي، وإنشاء مستشفى طوارئ جديد في مشعر منى بسعة تتجاوز 200 سرير، إلى جانب تجهيز 3 مستشفيات ميدانية بطاقة استيعابية تفوق 1,200 سرير. جميع مستشفيات المشاعر جهّزت بأحدث التقنيات الطبية المتطورة، ما يعكس التزام الدولة بتوفير رعاية صحية متكاملة وآمنة لضيوف الرحمن.

هذا الجهد يتكامل مع ما ورد في التقرير حول انخفاض الأمراض المعدية بنسبة 87.5% مقارنة بعام 2019، وموسم صحي آمن رغم الزحام وتنوع الحالات.

ويدعمه انتشار ميداني مدروس يشمل أكثر من 18 ألف مركز إسعافي وعيادة متنقلة، و 34 ألف كادر صحي، و 6 طائرات إخلاء طبي، وآلاف مركبات الإسعاف، إضافة إلى خدمات الصحة الافتراضية التي خففت الضغط، وقدّمت رعاية دقيقة عن بُعد، تطبيق ”صحتي“، ومنصة ”وصفتي“، والمستشفى الافتراضي، لم تعد مجرد خدمات رقمية، بل أدوات حقيقية تُنقذ الأرواح وتُدير الحشود وتُوجه الرعاية حيث الحاجة، في مشهد تقوده التقنية وتدعمه البنية التحتية الوطنية.

وراء هذا الجهد العظيم، يقف أبطال الميدان.. الممارسون الصحيون، بكافة فئاتهم، رجال ونساء يعملون بكل احترافية تحت ضغط الوقت والزحام والظروف المناخية، في أدوار بطولية، فهم اليد الممتدة لكل حاج، والطمأنينة التي تحيط كبار السن، والابتسامة التي تسبق الإبرة أو الإسعاف، إنهم تجسيد حي لرسالة الصحة التي تقوم على العطاء، والمسؤولية، والرحمة.

التحول الصحي الذي نقرأه في الوثائق، نراه في أرض الواقع: في التنسيق، في العيادات، في الوقاية قبل العلاج، وفي الأثر الكبير المتمثل في أن يعود الحاج إلى وطنه سالمًا، شاكرًا، بصحة وعافية.

في زمن تُقاس فيه كفاءة الأنظمة برعايتها للإنسان، تثبت المملكة عامًا بعد عام أن الحج ليس فقط عبادة تُؤدى، بل مسؤولية تُدار، وصحة تُصان، وتجربة إنسانية تُروى فيها أجمل قصص الرؤية والنجاح.

وفي هذا اليوم العظيم، لا يسعنا إلا أن نرفع الشكر والعرفان لقيادة الوطن التي جعلت من صحة الحاج أولوية، ولأبطال الصحة الذين يسطرون قصة نجاح وطنية بامتياز.

استشارية طب أسرة
مستشار الجودة وسلامة المرضى
مستشار التخطيط والتميز المؤسسي
كاتبة رأي