آخر تحديث: 12 / 6 / 2025م - 11:15 ص

قراءة متأملة لمقال الأستاذ أمين الصفار «الجمعيات»

هاشم الصاخن *

قرأتُ مؤخرًا مقالة للأستاذ الفاضل أمين محمَد الصفار بعنوان:

”هل عدد أعضاء الجمعيَّة العموميَّة للجمعيات الأهليَّة مشكلة؟“

وقد وجدتها مقالة أنيقة وهادئة، تنمُّ عن حرص ووعي مجتمعي رفيع، وطرح مؤسساتي يستحق التقدير والوقوف عنده.

وعلى الرغم من أنني لا أعرف الأستاذ أمين شخصيًا، إلا أنَّ أسلوبه وأفكاره تعكس شخصية محترمة تُحسن قراءة الواقع، وتتناول القضايا بروح بنَّاءة.

ويشرفني - بلا شك - التعرُّف عليه يومًا ما.

ولأن المقال الكريم تطرق إلى نقطة دقيقة ومهمَّة، وهي مسألة عدد أعضاء الجمعيَّة العموميَّة، أحببت أن أشير إلى أنني تطرقتُ إلى جزئية قريبة من هذا المحور في مقالٍ سابق لي بعنوان:

”جمعية سيهات بين الواقع والطموح الاجتماعي“، نُشر في 8 نوفمبر 2023،

من دون أن يكون الموضوع متطابقًا؛ بل من باب التلاقي الجزئي في زاوية ذات علاقة.

ومن منطلق إثراء النقاش وتكامل الرؤى، أطرح هنا بعض النقاط التي أراها جديرة بالمشاركة، تقديرًا للمقال وأهميته، ورغبة في تسليط الضوء على زوايا أخرى في ذات الملف.

أولًا: حول تخفيض عدد أعضاء الجمعيَّة العموميَّة.

ما طُرح في المقال من توجه بعض الجمعيات نحو تقليص عدد أعضاء جمعياتها العموميَّة، بدعوى صعوبة إدارتهم أو كثرة المداخلات، هو قراءة واقعيَّة لما يحدث على الأرض.

لكن من المهمِّ التَّأكيد على أن تبنِّي هذا الخيار - استنادًا إلى هذه الأسباب - يُضعف من مكانة الجمعيَّة مجتمعيًا، ويضع إدارتها في موقف حرج، سواء شعرت بذلك أم لم تشعر.

فتقليص عدد الأعضاء لا يخدم مصلحة الجمعيَّة على المدى البعيد؛ وقد يفتح الباب إلى الاستفراد بالقرار، ويقود إلى انكماش الجمعيَّة على ذاتها، وتحولها من كيان مجتمعي واسع إلى دائرة ضيقة تُدار بذهنيَّة مغلقة، وقد يتراجع معها حضور الجمعيَّة في المجتمع وثقة الناس بها.

أمَّا الأسباب التي وردت كمبرر لهذا التقليص، فإن صحَّت، فهي - في حقيقتها - تعكس ضعفًا في الإدارة لا قوَّة فيها، وهذا يذكرنا بالمعلِّم الذي يقف أمام طلابه، فيعجز عن ضبط الصف، فيُحمّل الطلاب المسؤوليَّة بدلًا من تطوير أدواته وتحسين أسلوبه.

وقد ذكرتُ في مقالي المشار إليه أنَّ جمعيَّة سيهات نفسها طرحت في أحد اجتماعات الجمعيَّة العموميَّة اقتراحًا يقضي بمضاعفة مبلغ الاشتراك السنوي، فجاءت النتيجة بالرفض من غالبية الأعضاء، لمعرفتهم تمامًا أنَّ هذا القرار - على الرغم من أنَّه يبدو داعمًا للجمعيَّة - إلَّا أنَّه سيؤثر سلبًا على انخراط أفراد المجتمع فيها.

وهو ما يدل على أهميَّة وجود أعضاء كُثُر يمثِّلون نبض النَّاس ويملكون حسًّا مجتمعيًا يسبق القرار الإداري أحيانًا.

وقد قُدِّم هذا المقترح من باب الاجتهاد، وممَّا يُحسب للجمعيَّة أنَّها احترمت رأي الجمعيَّة العموميَّة وأخذت بنتيجة التصويت بكلِّ تقدير وشفافية، وهذا بحدِّ ذاته سلوك مؤسسي يُشكرون عليه.

وما يجب التنبه له أنَّ مثل هذه القرارات - كرفع الاشتراكات أو تقليص العضوية - تُبعد المجتمع عن الجمعيَّة، خاصَّة إذا ما علمنا أنَّ الحقَّ في الاقتراح أو القبول أو الرفض داخل الجمعيَّة لا يملكه إلَّا العضو المسجَّل.

فكيف نتوقع من المجتمع أن يشارك أو يتفاعل إذا أبعدناه عن أبسط حقوقه، وهي: أن يكون عضوًا؟

ولستُ هنا بصدد التعليق على ما طرحه الرافضون لتقليص عدد أعضاء الجمعية العمومية، فأنا أتفق معهم جملةً وتفصيلًا؛ بل إنَّ جوهر هذا المقال ينطلق من ذات القناعة.

ثانيًا: حول مقترح تحديد نسبة عضوية الجمعيَّة العموميَّة.

في ختام المقال، أشار الأستاذ أمين الصفار إلى مقترح وضع نسبة مئوية كحدٍّ أدنى لأعضاء الجمعيَّة العموميَّة، بواقع 1% من المجتمع الذي تخدمه الجمعيات الاجتماعيَّة، و 0.6% للجمعيات التخصصيَّة، وذلك كوسيلة لضمان وجود قاعدة كافية وفاعلة تشكّل ”الوعاء المؤسسي“ للجمعيَّة، وتسهم في رفدها بالكفاءات والمسؤولين المحتملين.

وإن كان ظاهر هذا المقترح يصبُّ في صالح تعزيز دور الجمعيَّة العمومية، ويأتي في سياق محاولة تنظيمية لضبط الحد الأدنى من المشاركة، إلَّا أنني أتحفظ عليه من زاوية ما قد يُفهم منه لاحقًا أو يُستخدم في غير مقصده. فالتجارب أثبتت أنَّ بعض اللوائح التنظيمية حين لا تُحسن قراءتها أو تُنتزع من سياقها، قد تتحوَّل من وسائل تعزيز إلى أدوات تقليص، ويُخشى أن تُفسّر هذه النسبة - مع مرور الوقت - على أنَّها سقف كافٍ لا يُتجاوَز، لا حدٌّ أدنى يُستهدف تجاوزه.

وما نحتاجه فعلًا، هو أن تبقى عضوية الجمعيَّة العموميَّة مفتوحة، مرنة، ومتنامية، ما دام الشخص مستوفيًا للشروط، فالثقافة التطوعية لا تُبنى بالنسب، وإنَّما تُغذى بالحوافز والثقة والمساحة المتاحة للمشاركة.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
حسين مهدي
[ سيهات ]: 6 / 6 / 2025م - 10:28 ص
يعطيك العافيه يا أستاذ هاشم، مقالك هادف وكلامك موزون. لكن بصراحة، أنا مع تقليص عدد الأعضاء إذا كانوا بس يسوون زحمة وما يساهمون فعلياً. المشكلة مو دايم بالإدارة، أحيانًا الأعضاء نفسهم ما يتحملون مسؤولية. مو كل كثرة خير، وبعض الحضور بس ديكور!

2
قاسم
6 / 6 / 2025م - 2:52 م
أنا من اللي يعتقدون إن التنظيم العددي ما يضر لو كان مؤقت ولأهداف إدارية واضحة، بس مثل ما تفضلت يا أستاذ هاشم، لو صار التنظيم وسيلة للتقليص الدائم، راح نصير نمارس الإقصاء من حيث لا نشعر.
سيهات