النوادر الياسرية ”5“.. بين حانا ومانا ضاعت لحانا
قلتُ: لقد أرهقتَ ذاكرة هاتفي برسائلك اليومية المفعمة بالملصقات— ”صباح الخير“، ”مساء الخير“، ”جمعة معطرة“، ”جمعة مُبخرة“.
فقال: وماذا عساي أن أفعل إن كنتَ جافَّ المشاعر، لا تقدّر دفءَ العلاقات الإنسانية؟
قلتُ: الأصل في وسائل التواصل أنها أداةٌ عملية، تختصر المكالمات إلى رسائل صوتية موجزة أو كلمات مقتضبة تعبّر عن فكرةٍ محددة، لا أن تثقل ذاكرة الجوال بوابلٍ من الملصقات.
فقال: ذلك هو فهمُك لوسائل التواصل الاجتماعي، أما أنا فأراها امتدادًا للعلاقات الإنسانية؛ إذ أبعث إليك ملصق ”صباح الخير“، فتردّ عليَّ بآخر، فكأنّ كلٌّ منا قد اطمأنّ على الآخر بطريقةٍ مختصرة.
قلتُ: لنكتفِ بها أسبوعيًا بحيث لا ضرر ولا ضرار، أو تُقتصر على المناسبات السنوية كشهر رمضان المبارك والأعياد، فلا حاجة للتكرار اليومي.
هذا الحوار يعكس الصراع الأزلي بين العقل والأحاسيس؛ فمن جهةٍ، هناك من يرى التواصل أداةً لنقل الفكرة بوضوح وتجرد، ومن جهة أخرى، هناك من يعتبره مساحةً لحضور العاطفة وتجسيد المشاعر حتى في أدق التفاصيل.
لكن التساؤلات تبقى مطروحة:
1. كيف تؤثر بيئة الإنسان الثقافية على تفضيله بين التواصل العملي والتواصل العاطفي؟
2. هل يخضع هذا التباين في الفهم للأعراف المجتمعية، بحيث يكون السائد في بيئةٍ ما مُسلَّمًا به، بينما يُستهجن في بيئةٍ أخرى؟
3. إلى أي مدى يتأثر فهمنا لقيمة التواصل الاجتماعي بالتطور التقني والتغيرات في أنماط الحياة؟
4. هل يمكن اعتبار الملصقات الرقمية بديلاً عصريًا للتواصل غير اللفظي الذي كان موجودًا في المجتمعات التقليدية؟
5. هل يؤدي الإفراط في استخدام الملصقات إلى فقدان المعاني العميقة في العلاقات، أم أنه يعززها بطريقة جديدة؟
6. هل هناك معايير ينبغي أن تُحدد شكل ونوع التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أم يجب تركه ليأخذ مساره الطبيعي؟
7. كيف يتفاعل مختلف الأجيال مع مسألة الملصقات اليومية؟ هل يراها الجيل الأكبر سطحيةً بينما يعتبرها الجيل الأصغر جزءًا من ثقافة التفاعل؟
8. - إلى أي مدى يمكن اعتبار الملصقات في المحادثات الرقمية وسيلةً للتعبير عن مشاعر غير معلنة، بدلاً من كونها مجرد أداة للتفاعل السريع؟
9. هل يمكن تطوير بدائل أكثر تعبيرًا عن المشاعر دون أن تكون مكررة أو مبتذلة؟
10. لو أجرينا استطلاعًا شاملاً، تُرى أيّ نهجٍ سيسود في مجتمعاتنا: عقلنة وسائل التواصل الاجتماعي أم دفء المشاعر المتجدد يوميًا؟
ختامًا، أود التأكيد على أنني أحرص على الإيجاز قدر الإمكان، فزمننا سريع الخطى، و”كثر الله خير القارئ“ الذي منحني من وقته ليطالع خربشاتي. ومع ذلك، حين أتوسع في طرح الأسئلة، فإنما أفعل ذلك لاستنهاض العقول، لأن السؤال مفتاح العلم، كما قال النبي الأعظم ﷺ:
«العلم خزائن، ومفتاحه السؤال، فاسألوا يرحمكم الله، فإنه يؤجر فيه أربعة: السائل، والمعلم، والمستمع، والمحب لهم»
وهكذا، يظل السؤال نافذةً تُشرع على آفاق المعرفة، وتبقى وسائل التواصل الاجتماعي ساحةً تتقاطع فيها الأفكار، يتجدد فيها الحوار بلا قيود.