إدارة الجمعيات العمومية في الجمعيات الأهلية.. دلو آخر
أسعدني ما رأيت من اهتمام حول الموضوع بدأ بمقال الأستاذ الزميل أمين الصفار ثم بتعقيب من الأستاذ هاشم الصاخن حول ما أشير من تقليص لعدد أعضاء الجمعية العمومية في بعض الجمعيات الأهلية، دوافعه وتقييمه. أحببت أن أضيف دلوا إلى دلائهما وإيضاحا إلى مقالهما رغبة في نشر الوعي العام من أجل المصلحة العامة.
أتاح لي هذا اليوم المتأرجح بين عرفة والعيد كالمنطقة العازلة في الحروب فرصة الانزواء والكتابة. فلله الحمد على كل حال وكل عام وأنتم بخير.
أولا: دعنا نفهم دور الجمعية العمومية في الجمعيات الأهلية. لماذا نحتاج إلى جمعية عمومية في الأساس؟ هل يمكن أن تعمل الجمعية الأهلية بوجود إدارة تنفيذية ومجلس إدارة وحسب؟ طبعا الإجابة القانونية لا لأن النظام يتطلب ذلك. لكن سؤالي عن السبب وراء ضرورة الجمعية العمومية من ناحية إدارية. يقرر النظام ولائحته وتبعا لذلك اللوائح الأساسية للجمعيات الأهلية أن الجمعية العمومية هي السلطة العليا ولها حق انتخاب المجلس، والتصديق على التقارير المالية، والخطة الاستثمارية، والتصرف في أصول الجمعية، والموافقة على استقالة الأعضاء أو إقالتهم، ومتابعة أداء المجلس وإلغاء ما تراه من قرارات المجلس. إذن نحن نتكلم عن جسم إداري هو جزء جوهري في حوكمة الجمعية بسقف عال من الصلاحيات يحفظ شرطي العدالة والشفافية وحقوق أصحاب المصلحة «المستفيدين بالأساس». لا يشترط النظام عددا محددا لأعضاء الجمعية العمومية ولكن يشترط أن لا يقل عدد أعضاء المجلس عن نصف عدد أعضاء الجمعية العمومية، فإذا افترضنا عضوية المجلس بين 9 و 13 مثلا فيكون العدد المتوقع للجمعية العمومية الذي يحقق الشرط السالف بين 18 و 26.
هذا السقف العالي من السلطات يوازيه من تجربتي سقف متواضع من الأداء لأسباب كثيرة. أولها أن هذا السقف العالي من السلطات يتطلب سقفا عاليا من المعرفة والمتابعة والاهتمام في أعضاء الجمعية العمومية. أقصد بالمعرفة هنا معرفة الأعضاء لدور الجمعية العمومية ودور المجلس من ناحية إدارية تنظيمية. وأقصد بالمتابعة متابعة أحوال الجمعية عن قرب لمعرفة خلفيات أي قرار يأتي للتصويت «رأينا توصيات صرف عليها المجلس أشهر طويلة يُقضى عليها في دقائق في حمى خطابية سطحية غير مطلعة». وإذا أخذنا حضور اجتماعات الجمعية العمومية كمؤشر لمدى الاهتمام نجد أن الأرقام لا تشير إلى اهتمام عال على الإطلاق بل هي دون النصاب القانوني في أغلب الأحوال. وللتوضيح فإن النصاب القانوني الأولي هو 25% للجمعيات العمومية العادية. دعنا ننظر إلى بعض الأرقام من جمعياتنا المحلية في المحافظة «عينة لخمس جمعيات من البيانات المنشورة لكني آثرت عدم التصريح بالاسم حتى نركز على الفكرة». هذه بيانات جمعيات عمومية عادية غير انتخابية حديثة:
كما ترى فإن حوالي 20% هم من يأتون لاجتماعات الجمعيات العمومية وهذا هو المعتاد. ولذلك أسباب سنأتي عليها. بالمقارنة تقصيت الأمر في بعض الجمعيات خارج المحافظة، في الشرقية، بعضها جمعيات بر وبعضها متخصص فكانت الأرقام كالآتي:
المفارقة واضحة في العدد وفي نسبة الحضور. فما السبب يا ترى؟ وهل العدد المنخفض بالمقارنة يشير إلى ضعف هذه الجمعيات العمومية؟ دعني أوضح أن هناك عدم فهم عميق بين الناس لمعنى العضوية والاشتراك لدرجة كبيرة. هناك خلط واضح بين التبرع والعضوية وكثيراً ما سمعنا من يقول أنا أتبرع لكم بكذا وكذا في السنة فكيف لا أصبح عضوا؟ هذا الخلط التاريخي وسوء الفهم الذي استمر لسنوات طويلة أنتج قوائم للعضوية لا تختلف كثيرا عن قوائم المتبرعين ومن يدخلها لا يخرج منها في العادة. في العينة التي أشرنا إليها في الجدول الأول، يدرك من يتعامل عن قرب مع الجمعيات أن نسبة 20% من الأعضاء هم في الحقيقة أعضاء الجمعية العمومية الذين يحضرون بشكل مستمر ويتابعون أعمال الجمعية. ال 80% الباقين أو جلهم لا يدرون عن الجمعية شيئا ولا يتابعون ولا يحضرون مع أنهم متبرعون محسنون محبون لجمعيتهم. هل يمكن أن تسميهم أعضاء جمعية عمومية؟ هل يمكن لجسم يشكل أعلى سلطة في الجمعية أن تعهد به إلى مجموعة غير متابعة ولا مهتمة إلا في فزعة الانتخابات لدوافع أغلبها غير محمود؟ إذا كان لهذه المجموعة أن تراقب أداء المجلس وأن تتحمل مسؤولياتها أمام أصحاب المصلحة والجهات الإشرافية فيجب فنيا أن تقتصر على من يهمه أمر الجمعية ويتابع أعمالها.
لا بد من التوضيح أيضا أن مجلس الإدارة له الصلاحية في قبول العضويات ورفضها «حتى في اللوائح القديمة» وهي صلاحية أحجمت المجالس كثيرا عن استعمالها لصعوبة إدارة الملف «تقنيا وإداريا والذي وضع يده في هذا يعرف ما أقصد» وتفاديا لإزعاج أي فرد من المجتمع فكان كل من عنّت له فكرة العضوية سجل عضوا مدى الحياة «في الغالب». لكن مع الضوابط الدقيقة التي تفرضها اليوم معايير الحوكمة في ملف إدارة العضويات والجمعيات العمومية، أصبح من الضروري توثيق الانضمام والإسقاط لتكون هذه القائمة أقرب إلى الواقع وهذا ما أثار بعض هذه التساؤلات اليوم.
دعني أوضح أمرا في غاية الأهمية أيضا. يظن الكثير أن إيرادات العضوية سبب وجيه للاهتمام بها وزيادتها. ومع أن على المجلس السعي في زيادة كل رافد من الإيرادات، إلا أن إيرادات العضوية «بجميع أنواعها» لا تتعدى 5% من الإيرادات الكلية. هذا إذا احتسبنا جميع تبرعاتهم العامة رسوم اشتراك، أما إذا التزمنا بالتعريف الدقيق لرسوم العضوية، فإن رسوم العضوية قد لا تتعدى 1% من الإيرادات.
وبما قدمنا من إيضاحات، فإن عدد أعضاء الجمعية العمومية غير مهم بقدر أهمية الجودة فيهم «المعرفة والمتابعة والاهتمام» وهذا ما يجعلهم قادرين على النهوض بأعباء مسؤولياتهم بحيث يشكلون إضافة نافعة في القرارات ورشدها. بإمكان ال 80% من القائمة أن يواصلوا دعمهم كمتبرعين أو كأعضاء منتسبين أو فئة أخرى غير الأعضاء العاديين. لا ضير في ذلك إطلاقا. وعلى الجمعية الاهتمام بهم وإطلاعهم على مستجدات العمل وكسب ولائهم كقاعدة اجتماعية داعمة وهو أمر مهم. لكن لا يلزم أن يكونوا أعضاء في الجمعية العمومية ولا يضير الجمعية في شيء إذا كان أعضاؤها 200 «فاعلين متابعين» بدلا من 700 على قائمة ورقية. وبعدها على الجمعية أن تسعى لإضافة أعضاء آخرين فاعلين نافعين. وعلى المجلس أن يسعى لتثقيف الجمعية العمومية وإطلاعها على المستجدات في الأنظمة والبرامج والاستثمارات حتى تكون جاهزة لأداء دورها على أكمل وجه وتكون قرارتها عن علم ودراية.