آخر تحديث: 12 / 6 / 2025م - 11:41 ص

التحفيز سبيل إلى الإبداع

محمد يوسف آل مال الله *

دخل المدرب قاعة التدريب حاملًا صندوقًا من الورق المقوى، ووضعه على الطاولة، ثم سأل المتدربين: من منكم يريد أن يتعرف على أكبر المثبطات في الحياة الخاصة والمهنية؟

رفع المتدربون أيديهم جميعًا.

أجاب: حسنًا، سأدع كل واحد منكم أن يرى ذلك، ولكن بشرط ألا يخبر عما رأى حتى ينتهي الجميع من رؤية ما في الصندوق، هل أنتم موافقون؟

أجابوا بصوت واحد… نعم.

بدأ المتدربون ينظرون في داخل الصندوق واحدًا تلو الآخر، دون أن يتفوه أي منهم بما رأى، وبعد أن أنهى آخر متدرب دوره، وعاد إلى مقعده سألهم المدرب… هل عرفتم أكبر المثبطات؟

صمت الجميع ولم ينبسوا ببنت شفة. أتعرفون لماذا؟

لأن كل واحد منهم رأى صورته في قاع الصندوق حيث وضع المدرب مرآة عاكسة يرى فيها المتدرب نفسه.

السؤال: كيف يصبح الإنسان محفزًا أو مثبطًا لذاته؟

هذا ما نريد الإجابة عليه وقبل ذلك لا بد أن نتعرف على بعض النظريات بهذا الخصوص.

عكف الكثير من علماء النفس على فهم هذه الجنبة، أي جنبة التحفيز، وكيف تعمل وما هي العوامل التي تؤثر على الإنسان إيجابًا كانت أو سلبًا فوجدوا أن كل الأعمال لا يمكن لها أن تنجز بدون دوافع محفزة، فالتحفيز يعني أن تجعل شخصًا ما متحمسًا لأداء عمل ما، ولكل منا محفزات ومثبطات قد تختلف من شخص إلى آخر، فما يحفزني ويدفع بي للعمل، قد يكون مثبطًا لك ويقعدك عن العمل، غير أن هناك محفزات مشتركة. على سبيل المثال لا الحصر، فالجوع يدفعك أن تأكل والعطش يدفعك أن تشرب، وهكذا.

هناك العديد من النظريات المهتمة بهذا الجانب لما له من تأثير كبير على إنجاز الأعمال بغض النظر عن نوعها ومقدارها، فمن ضمن تلك النظريات:

أولًا: نظرية الاحتياجات المتسلسلة أو الهرمية لماسلو وقد رتبها حسب الأولوية وهي:

الاحتياجات الفسيولوجية وهي المأكل والمشرب والهواء والمسكن والملبس والأسرة.

احتياجات الأمان وهو شعور الإنسان وحاجته إلى الأمان من المخاطر والتهديد.

الاحتياجات الاجتماعية وهي الصداقات والانتماء للمجتمع.

احتياجات الاحترام والتقدير وهو أن يشعر الإنسان باحترام وتقدير الآخرين له.

تحقيق الذات وهو أن يقدم أحسن ما عنده ويستغل كل طاقاته فيبدع ويتطور إلى حدود عالية جدًا.

ثانيًا: نظرية إي آر جي وهي تشبه نظرية ماسلو إلا أنها أعادت تصنيف الاحتياجات إلى ثلاثة أنواع فقط؛

احتياجات البقاء/الوجود وهي مرادفة للاحتياجات الفسيولوجية والأمن.

احتياجات العلاقات/الترابط وهي مرادفة للاحتياجات الاجتماعية.

احتياجات النمو وهي مرادفة لاحتياجات التقدير وتحقيق الذات.

والفرق بينها وبين نظرية ماسلو أنها لا تعتمد الترتيب والأولويات.

ثالثًا: نظرية العاملين لهيرزبرج والتي حددت بأن التحفيز ينقسم إلى مجموعتين؛

العوامل الصحية «الأساسية» والتي تتمثل في الاستقرار الوظيفي، أي الشعور باستمرارية العمل وعدم التهديد بالفصل.

مجموعة الحوافز وتشمل العمل المثير، أي العمل الذي يرضي اهتمامات العامل وقدراته.

بعد هذا السرد، أود أن أشير إلى نقطة مهمة وهي أن التحفيز أمر فطري ينبع من ذات الإنسان وما علينا إلا أن نؤثر على تلك المحفزات لنجعلها حية كي تعمل بنجاح، حيث يجب علينا أن نركز على ثلاثة عوامل مهمة وهي:

التعاون: وهو أن تجعل الموظف يشعر بأهمية التعاون فيما بينه وبين المؤسسة أو الجهة التي يعمل فيها.

القناعة: وهو أن يدرك الموظف بأهمية ما ينجز من أعمال وأن إنجازه يشكل إضافة نوعية إلى العمل.

الاختيار: وهو أن يكون هناك متسع وصلاحيات لدى الموظف بأن يقوم باتخاذ القرارات أثناء العمل.

إن من الواجب علينا أن نسعى دائمًا في هذا الأمر وخاصة مع أبنائنا من أجل النجاح والتحصيل العلمي أو المهني بعيدًا عن أدوات الترهيب والتهديد. إذ يعتقد الكثير من الآباء والأمهات أن مسار الأبناء مرهون بموافقتهما وعلى خطاهما يسيرون دون الالتفات إلى أمر مهم ألا وهو الشغف الذي يدفع بالأبناء نحو الجد والاجتهاد، فعند فقدان هذا الشغف عند الأبناء يتحول الأمر إلى تبعية مقيتة ينتج عنها فشل الأبناء في الغالب وهذا ما لا نريده لأبنائنا.

الأبناء بحاجة ماسة للتحفيز والتشجيع من الوالدين والأقربين، ما يدفعهم إلى المزيد من التحصيل العلمي والمهني، كما أن هذا الأمر مطلوب في المؤسسات والشركات لجميع الموظفين وخاصة المستجدين منهم حتى يتمكنوا من إخراج إبداعاتهم بيسر وسهولة مما يزيد من الإنتاجية لديهم.

التعقيبات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
التعليقات 2
1
حسين
6 / 6 / 2025م - 8:03 م
يعطيك العافية أستاذ محمد، لكن عندي ملاحظة بسيطة على جزئية “أن التحفيز أمر فطري ينبع من ذات الإنسان”، صحيح أن بعض الدوافع داخلية، لكن أحيانًا البيئة تلعب دور أكبر من الذات، خصوصًا عند الأشخاص اللي يعانون من ضعف في تقدير الذات. كان ودي تتوسع بهالزاوية شوي.
2
محمد يوسف آل مال الله
[ عنك ]: 7 / 6 / 2025م - 1:50 م
شكرًا لك أخي الأستاذ حسين. أعدك بأن أفرد لهذا الجانب مقالًا خاصًا نتحدث فيه عن تقدير الذات وأثر البيئة عليه.