الجعميات العمومية... من أين نبدأ؟
بدايةً أود أن أبدي سروري وتقديري لكل ما كُتب، أو من اتصل أو علّق على مقالي السابق، فهذا الموضوع المهم - حسب استقصائي الشخصي واطلاعي على جميع محاضر اجتماعات الجمعيات العمومية للجمعيات الأهلية بالمحافظة التي تنشر محاضرها - لم تتناول مطلقًا موضوع عدد أعضاء الجمعيات العمومية لا طرحًا ولا مناقشة، لذا فهذا التفاعل هو دليل على أن هذا الموضوع يحظى باهتمام شريحة من المجتمع. لقد قادني هذا التفاعل للتعديل على المقال لعلي أوفّق في الإجابة على بعض ملاحظاتهم، علمًا أن هذا الطرح ليس بديلاً عن الطرح الحقيقي في موقعه الرئيس، وهو اجتماعات الجمعيات العمومية، أو على مستوى المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي.
لقد أوليت الموضوع أهميةً خاصة «هذا المقال الثالث على التوالي» نظرًا للفجوة الكبيرة التي أشاهدها تتسع عبر بعض الممارسات الارتجالية غير المثالية. ورأيت أنه مواكبةً للصلاحيات الجديدة التي منحها نظام الجمعيات الأهلية الجديد للجمعيات العمومية، لا بد من لفت انتباه الجمعيات العمومية عمومًا، وفي محافظتنا خصوصًا، لتواكب وتتواءم مع متطلبات تلك الصلاحيات لتحقيق أقصى استفادة منها، سيما أن جمعياتنا معروفة على مستوى المملكة بالمبادرات الريادية، والابتكار، والمستوى العالي من الالتزام، وقد شاهدنا عددًا من الجمعيات من خارج المنطقة تتعامل مع جمعياتنا الأهلية كمثال يُحتذى به وتطبيق للمقارنة بالأمثل.
لتعميق الفهم بشأن العلاقة بين مجلس الإدارة والجمعية العمومية، وتبسيطها باستخدام أسلوب الهندسة العكسية، فإننا نحتاج أن نأخذ في الحسبان أن فكرة تكوين مجلس الإدارة ليس فيها تعارض مع الجمعية العمومية، بل هي حل مثالي وإجابة على سؤال: كيف يمكن للمؤسسين للكيان غير الربحي - الذين أصبحوا فيما بعد هم الجمعية العمومية التي تمثل مصالح الكيان والمستفيدين منه - كيف لها أن تدير كيانًا لا يحتاج لإدارته هذا العدد من الأعضاء، ولا يمكنهم إدارته مجتمعين؟
الجمعية العمومية هي التي تختار أعضاءً منها ليمثّلوها ويقوموا بالإشراف على تنفيذ طموحات الكيان الذي هم أعلى سلطة فيه. لقد جرى العرف على استخدام آلية الانتخاب المعروفة لانتخاب الأعضاء الذين سيكونون مكلّفين من قبل الجمعية العمومية للقيام بأعمالها «أي مجلس الإدارة»، وهي التي تُشرف على أعماله من خلال الآليات المعروفة، وقد عزز النظام الجديد للجمعيات دور الجمعية العمومية عبر إناطة عدد أكبر من المسؤوليات بها. ولعله من المهم التذكير بأن دور الجمعية العمومية في الكيانات التابعة للقطاع غير الربحي هو حماية مصالح الكيان المتمثلة في مصالح المستفيدين منه، أما في القطاع الخاص، فالجمعيات العمومية وما في حكمها تمثّل المصالح الشخصية لأعضائها، ومجلس الإدارة عادةً ما يكون من كبار الملاك، وهذا فرق جوهري بينهما.
إن الحقيقة الثابتة هنا هي أن مجلس الإدارة يولد من رحم الجمعية العمومية عبر الانتخاب، وأن المجلس يمثّل توجّهات الجمعية العمومية ومسؤول أمامها عن تحقيق هذه التوجّهات. وفي الوقت نفسه، فإن الجمعية العمومية والمجلس هما كيان واحد، بمعنى أن أي نقطة قوة في أيٍّ منهما هي نقطة قوة في الآخر، وأن أي ضعف في أحدهما يعني حكمًا أنه ضعف في الآخر أيضًا، وأن التحديات التي تواجهها ليست قليلة، ولكنها أيضًا ليست مستعصية أو غير قابلة للحل والمعالجة. وعلى أساس هذه الحقيقة، اقترحنا بعض الأدوات التي تساعد على تطوير العمل، فأكدنا أهمية وجود بعض التقارير المهمة، بما فيها محاضر اجتماعات الجمعية العمومية «التي تمثل الحد الأدنى»، التي يجب أن تكون موجودة بين يدي الجمعية العمومية بشكل تلقائي، مبرمج، وسهل التصميم، وكذلك مقترح وضع نسبة مئوية لعدد أعضاء الجمعية العمومية، منعًا للاجتهادات غير الموفّقة، والتي قد تتعارض مع جوهر النظام.
إن المأمول ليس تغيير القناعات، بل البناء والتطوير للواقع العملي، وليس الخضوع له، بل عبر اتباع وسائل وأدوات مهنية معتبرة يمكن الاعتماد عليها لتفعيل دور الجمعيات العمومية أكثر وتحسين جودة القرارات. إن إحدى أدوات التطوير التي نقترحها، والتي قد تكون خطوة البداية بهذا الاتجاه، هي أن تتبنى إحدى جمعياتنا الرائدة أو مركز الخدمة الاجتماعية بالقطيف عقد ورشة خاصة بموضوع عدد أعضاء الجمعيات العمومية ضمن برنامج تحسين أداء دور الجمعيات العمومية. فدعوة الجهات ذات العلاقة والباحثين والشخصيات المهتمة بتنمية القطاع غير الربحي، للخروج بتوصيات ومقترحات، سوف يُسهم في ظهور رؤى أفضل وآفاق أكثر اتساعًا، تساعد الجمعيات الأهلية على التعبير عن التحديات التي تواجهها واتخاذ القرار المناسب بهذا الخصوص.