الحقد: عندما يُقيم خصمك في داخلك
عندما أحقد على إنسان، أو زمن، أو حتى مكان، فأنا لا أمتلكهم، بل أحبسهم داخلي.
كأن من أكرهه لا يخرج من حياتي، بل يظل قابعًا في أعماقي، يطلّ برأسه في كل لحظة غضب، أو ضعف، أو استدعاء لذكرى مؤلمة.
الغريب في الحقد أنه يُبقي الشخص حاضراً بقوة، حتى لو غاب فعليًا عن الحياة.
المفترض، كما أرى، أن من أكرهه يصبح مثل الهواء: موجود لكن لا يُرى، لا يؤثر ولا يحرك في داخلي شيئًا.
لكن الحقيقة أن الحقد يُبقيه مرئيًا دائمًا، حاضرًا في ذهني، وكأنني لم أنفصل عنه، بل أعدت تشكيله داخل وجداني.
أدركت كذلك أن الدعاء على إنسان، وتمني زواله، لا يُضعفه بقدر ما يجعله يتضخم داخلي، ويثقل على صدري، وكأنني منحه سلطة لا يستحقها.
أما حين أختار تجاهل تصرفاته، والابتعاد عنه وعن ذكره، فإنه يتضاءل، ويتلاشى من داخلي تدريجيًا، حتى يتحول إلى ذكرى قديمة لا وزن لها ولا أهمية.
تبدو فكرة الحقد في ظاهرها كأنها شكل من أشكال الدفاع أو رد الكرامة. لكنها في حقيقتها سجن مزدوج:
أُدخل فيه خصمي، ثم أغلق الباب على نفسي معه.
فأبقى هناك، في معركة لا تنتهي، ومع خصم قد لا يشعر حتى بوجودي.
الذين نحقد عليهم لا يعيشون في الخارج، بل في داخلنا.
نستدعيهم كلما أردنا أن نغضب، أو نتألم، أو نبحث عن مبرر لخذلان مرّ بنا.
فهل الحقد ضعف؟
ربما لا، لكنه بالتأكيد حمل ثقيل.
وحينما نتركه، لا يعني هذا أننا نسامح، بل يعني فقط أننا نتحرر.
نحرر ذاكرتنا، قلبنا، ومساحتنا الداخلية ممن لا يستحق أن يبقى ساكنًا فيها.
ليست المسألة أن ننتصر في وجه الآخرين، بل أن ننجو من أنفسنا القديمة، من ذلك الظل الذي ما زال يطاردنا، رغم أنه لم يعد موجودًا.
وقد يكون الحقد، في جوهره، غريزة داخلية مستقرة فينا، كغيره من الغرائز التي يمكن أن تُثار أو تُستفز تحت ظروف معينة.
لكننا، كبشر، نملك القدرة على التحكم فيه، تقنينه، وتهدئته.
هو قابل للاشتعال، نعم، لكنه أيضًا قابل للإطفاء إذا اخترنا أن نمضي بسلام.
فالمعركة ليست في منع الحقد من الظهور، بل في عدم السماح له بأن يسكننا ويثقل أرواحنا.
إنه ضيف قد يُطرق بابه، لكننا نحن من نقرر إن كنا سنفتح له أو نُغلق.