تقدير الذات وأثر البيئة عليه
في البداية، لا بد من تعريفٍ دقيقٍ لتقدير الذات، فنقول: إنّ تقدير الذات يعني القيمة التي يضعها الإنسان لنفسه ويعيش معها طوال حياته، حيث إنها تمثّل مدى شعوره بالكفاءة، والاحترام الذاتي، والتقدير. وهذا الشعور يُعدّ عنصرًا أساسيًّا في الصحة النفسية والتوازن الداخلي. وعليه، يجب أن نتنبّه إلى أمرٍ مهم، وهو أن تقدير الذات يتأثر بعوامل كثيرة ومتعددة، من أهمها وأبرزها البيئة التي يعيش فيها.
أي إنّ تقدير الذات يعني نظرة الشخص لنفسه، واستشعاره لقيمته الشخصية، وثقته في قدراته ومهاراته بغض النظر عمّا يسمع أو يرى من الآخرين. وهذا ما يُعرف بالتقييم الذاتي، والذي يستلزم النظر إلى أربعة عناصر: مكامن القوة، ومكامن الضعف، والفرص، والتحديات؛ وأهمها مكامن القوة والضعف، ويمكن التعرّف عليها من خلال نموذج التحليل الشخصي (SWOT).
هناك عدة عوامل تؤثر على تقدير الذات، منها:
أولًا: الأسرة، وذلك من خلال:
1. التشجيع والدعم: فالأبناء الذين ينشأون في بيئة تشجعهم وتحتوي أخطاءهم يطوّرون من تقديرهم لذواتهم، كما يُسهم ذلك في المحافظة على مكامن القوة وتحسينها، وتقوية مكامن الضعف إما بالتخلي عنها أو استبدالها أو تقويتها.
2. النقد المستمر أو المقارنات: فعندما ينشأ الفرد في بيئة ملؤها النقد والمقارنات بينه وبين أقرانه، فإنه يختزن صورةً سلبيةً عن ذاته، ويحتفظ داخله بشعورٍ بالنقص وعدم الكفاءة، مما يُسهم في فقدان الثقة بالنفس، وهو ما ينعكس إجمالًا على تقدير الذات.
ثانيًا: المدرسة والتعليم، وذلك من خلال:
1. المعلمون الداعمون: فهم الدعائم الأساسية في بناء الثقة بالنفس لدى الطلاب والطالبات، لما يقومون به من تربية وتهذيب وتعليم.
2. الإهانة أو السخرية: فهما من أقوى معاول الهدم لزعزعة الثقة بالنفس، وتقللان من تقدير الذات، إذ يشعر المتعلم باليأس والإحباط، فيرى نفسه نموذجًا للفشل.
ثالثًا: الأصدقاء والمجتمع، وذلك من خلال:
1. فإمّا أن يكون الأصدقاء إيجابيين وداعمين، يعملون على خلق بيئة إيجابية فاعلة، أو العكس تمامًا؛ وهنا يستدعي الأمر الابتعاد عنهم وعن مجتمعهم، إذ يورّثون لدى الآخرين مشاعر اليأس والإحباط.
2. التنمّر والاستهزاء: يبنيان شعورًا بالضعف لدى المتلقي، ويفقدانه الإحساس بالأمن والأمان الداخلي، وقد ينقلب هذا التأثير لاحقًا فيصبح الضحية أكثر عدوانية.
رابعًا: الثقافة والإعلام، وذلك من خلال:
1. وسائل الإعلام التي تروّج لمعايير مثالية في النجاح أو الفشل، والتي تنعكس على تفكير الفرد إيجابًا أو سلبًا. لذا، نحتاج إلى مراقبة مستدامة لما يُعرض، والتأكد من صلاحيته وتأثيره على الأبناء بشكل خاص، وعلى أفراد المجتمع عمومًا.
2. المقارنة المستمرة: قد تُوصل الفرد إلى مرحلة الشك في كل ما ينوي فعله، وقد تتحول إلى حالة نفسية تُضعف من تقديره لذاته.
ليس من الصعب خلق بيئة تعزز تقدير الذات، إذا ما عملنا جاهدين على تدشين خطوات فاعلة، واستدامة العمل الجاد في المجالات التالية:
1. التشجيع بدل النقد: ليكن التشجيع هو المحفّز الأول لدفع الفرد نحو الإيجابية، كي يرى أمامه أبواب النجاح.
2. القبول غير المشروط: من خلال الاستماع لما يدور في خلد الفرد، والتعرّف على ميوله ورغباته، واستنهاض طاقاته وتفعيل مهاراته.
3. التوجيه برفق واحترام: عبر عقد جلسات تدريبية (كوتشينج) لمن يرغب، يُستخرج فيها ما خفي في عقولهم، وتُكتشف قدراتهم.
4. إتاحة الفرصة للتعبير والإنجاز: وذلك من خلال الاستماع لهم بإنصات، ومساعدتهم على تيسير العقبات، والابتعاد عن الترهيب في حال عدم إنجاز المهام، واستبداله بالتقييم والتقويم.
5. عدم المقارنة بين الأفراد: بل مخاطبة كل فرد على حدة وتشجيعه؛ فهذه من الوسائل التي تجعل الشخص يرى ذاته محورًا لهذا العالم، فيعمل بطمأنينة واقتدار. وهذا لا يُلغي روح المنافسة، التي تكون مطلوبة في مجالات الإنجاز والتقدّم، ولكن بعد ترسيخ تقدير الذات.
في الختام، فإنّ تقدير الذات ليس فقط أمرًا فطريًّا يُولد مع الإنسان، بل هو قيمة تُبنى وتتأثر تأثرًا عميقًا بالبيئة المحيطة. فبيئة حاضنة، داعمة، وآمنة تزرع في النفس الثقة والاحترام والتقدير، بينما البيئات السلبية تزرع الشك والخوف وفقدان الأمان. لذا، تقع على عاتقنا - كبالغين ومربين ومجتمع - مسؤولية خلق بيئة ترتقي بالإنسان، وتساعده على بناء شخصيته.
”كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيّته“.
وعلى المرء أن يتذكّر دائمًا أن البيئة لها تأثير كبير، ولكنّ عليه هو أن يختار كيف يتفاعل معها ويأخذ بزمام الأمور.
فهل من أذنٍ صاغية؟