الشخص السام… أطيافه!
يتخيّل بعض الناس أن الشخص السام، رجلًا كان أو امرأة، هو من يتحدث دائمًا بسلبية، ويركّز على ذِكر الجوانب المظلمة والمكدّرة في الحياة، وينقل الأخبار المحلية والعالمية المُحبِطة، ويضخّم أخبار البطالة وارتفاع الأسعار وانهيارات الأسهم وركود السوق العقارية، ويتذمّر بشكلٍ دائم وملحوظ من محيطه الاجتماعي والديني والاقتصادي والنفسي.
والحقيقة أن هذه الصفات لا تمثّل إلا جزءًا من سمات الشخص السام، مع وجود التباس بين من ينقل الخبر ومن يصنعه. فالتعريف الأدق للشخص السام يشمل أوجهًا أخرى، قليلٌ من الناس من ينتبه لها، وأقل منهم من يستطيع تشخيصها.
فالمؤثرون على سناب شات ويوتيوب وتيك توك، وكذلك بعض الصحفيين والكُتّاب، حين يُسهبون في استعراض يومياتهم الباذخة، ونشر صور سياراتهم الفارهة، وبث مشاهد من رحلاتهم السياحية المترفة، ووصف ملابسهم وحقائبهم ذات الماركات العالمية، والحديث المطوّل عن المطاعم والأطعمة الباهظة دون أن يُسألوا عنها، يزرعون في نفوس المتابعين، خصوصًا القُصّر والمراهقين وذوي الوعي المحدود، شعورًا بعدم الرضا عن حياتهم، ويزيدون من حالة التذمّر والسخط تجاه ما توفره لهم أسرهم، بل ويجعلونهم يُنكرون كل جميل يُقدَّم لهم؛ لأنه في نظرهم ”أدنى وأقل“ مما يرونه في يد أولئك.
كذلك، فإن من سمات الشخص السام أيضًا أن يُزيّف الحقائق في قضايا الاستثمار وتجارة العقار وعقود التوظيف، أو يُدلس في صفات أطراف عقود الزواج، أو يتكسّب من صداقات ظاهرية، أو يُصدر أحكام التفسيق والتجريم بحق أبناء المجتمع كافة، بناءً على تصرفات فردية منحرفة، فيُعاقِب الجماعة بجريرة الفرد.
لنتذكر أن الشخص السام قد يأتي في عدة صور وأقنعة وأعمار. فلنكن أكثر وعيًا، ونتفادى تعدد ألوان جلود الشياطين. فالشياطين يُروّجون لأكثر الوسائل زيفًا، يغرسون بها في نفوس متابعيهم التذمّر والسخط، وينزعون عنهم الرضا والقناعة، ويؤسّسون لنكران الجميل تجاه الأهل أو الزوج أو الزوجة، ويُبعدونهم عن حمد الله وذكره، ويوجّهونهم نحو دروب الغاوين، ومحاكاة أهل الفسق، والنفور من أهل التقوى.
أخي، صديقي، ابني، بُنيّتي، زميلي، جاري…
إن تهذيب النفس، وتوجيه الأسرة لتجنّب أهل الغرور والزيف والشهوات ونكران الجميل، سواء في الواقع الملموس أو في العالم الرقمي، له عواقب محمودة، ويُسهم في نيل نصيب من السعادة وراحة البال وطمأنينة القلب.
مجتمعاتنا بحاجة ماسّة إلى مدّ جسور التآلف، وتجاوز مكائد الشياطين، وتفادي فِخاخ أهل السوء الذين يروّجون للوهم والغرور والعُجب بالنفس والتكبّر والأنانية من جهة، ويبثّون من جهة أخرى الخوف والإحباط واليأس والعزلة والقلق.
فلنُكرّس الجهود لتجنّب صُنّاع السموم، ونسلك درب صُنّاع الخير والوعي، ونتبادل قصص النجاح، وننصت لتجارب الآخرين الملهمة والمحفّزة والمفيدة. فهذه الأمور كفيلة بترسيخ العصامية، وزرع الأمل، وتعزيز العزوف عن مجالس البطّالين.
ومع مرور الوقت، وضبط ”جودة الغذاء الفكري“، وعزل أهل السموم عن حياتنا، والكفّ عن متابعة بائعي الأوهام، سنصنع — بإذن الله — إنسانًا ومجتمعًا أفضل، وأرقى، وأنقى، وأكثر تفاؤلًا وسعادةً وقناعةً ورضا ورحمة.