آخر تحديث: 3 / 8 / 2025م - 11:28 م

المسيرة الحسينية الخالدة

عبد الرزاق الكوي

خروج الإمام الحسين من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة وصولا إلى العراق؛ وبالتالي كربلاء المقدسة، لم يكن مشروعا اعتباطياً أو وليد وقته، بل مسيرة أحداث خطيرة مرت بالحياة الاجتماعية للأمة كان لا بد من هذه الخطوة المباركة، وعدم خروجه يعطي أعداءه فرصة في قتله دون إتمام هذا المشروع الرباني.

هذه المسيرة الخالدة والخروج العظيم والخطوات السديدة ونتائجها على الواقع لا يمكن لعقل أو فكر أو علم أن يستوعب أبعادها ونتائجها المرحلية والمستقبلية، والعالم على امتداد تاريخه يعيش هذه الأبعاد، ما يكتب إلا شذرات بسيطة وقطرة من بحر عميق من هذه المسيرة الظافرة، فلم ولن تحتويها الأسطر، وتفيها الأقلام، ولا تستوعبها الكلمات، كتبت بدماء طاهرة مزقت فيها الأجساد، وقطعت فيها الرؤوس هي أعظم ما في الأرض في وقتها وما بعدها، تتبرك الإنسانية من فيضها بما يكتب عنها ويقرأ ويسمع ويتبع.

المسيرة الخالدة جاءت تعبيرا عن الواجب الشرعي والدور الموكل والمبشر به من قبل جده رسول الأمة ﷺ، وإكمال مسيرته ومسيرة أهل البيت في حماية الدين ومكتسبات الأمة، فالرسول لم يساوم حتى لو أعطي الشمس في يمينه والقمر في شماله، والإمام الحسين يقول:

«إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني». إنها مدرسة وخط مستقيم واحد وامتداد مقدس فيه رضا الله سبحانه وتعالى، ما حدث في كربلاء المقدسة خطها النبي ﷺ من لا ينطق عن الهوى ونفذت تحت راية معصوم أخبر عنه جده أنه سيد شباب الجنة فكانت قيمها وملامحها وأحداثها إلاهية يقينا، تتجاوز حدود التفكير والجغرافيا لتقدم آفاق على مستوى عالمي ممتد ما بقيت الحياة، إنها علامة الجودة المتكاملة تقرأ من أبعاد مختلفة كلا حسب احتياجاته كرسالة تربوية شاملة، لكل زمان ومكان وأعراق وديانات وقوميات، منظومة متكاملة محكمة تستمد أوامرها من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ليس كحدث تاريخي، بل مدرسة حضارية ولدت من رحم السماء والرسالة المحمدية، كتبت قبل الخلق لتكون امتداد نور وطهارة «هم خلقوا من أنوار قبل أن يخلق الخلق».

قال الصادق الأمين ورسول رب العالمين ﷺ: «الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة»، كانت الانطلاقة سفينة نجاة الأمة من الانحراف حلقة وصل بين النبوة والإمامة يكون فيها الإمام الركيزة الأساسية الدائمة من أجل حاجات البشرية المستقبلية، حتى تقوم الساعة «إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهي عن المنكر»، فقد أصيبت الأمة بتراجع خطير في قيمها الاجتماعية وبعدها عن جوهر الدين والارتباط الوثيق بقيم الإسلام، حرك الإمام بخروجه ضمير الأمة وإخراجه من حالة الضعف والوهن وتراجع الثقة إلى مستوى تحمل واجب المسؤولية الملقاة على عاتق أفراد المجتمع وعامل بعث لإرادتها، سار بخطى ثابتة ويقين لا يزعزع لا يداهن في مرتكزات الأمة.

ستبقى هذه المسيرة الخالدة رسالة إلاهية وصوت نبويا ومدرسة إمامية تغزو القلوب، وتقتحم النفوس وتمتلك المشاعر لا حدود لتجلياتها لا يحدها زمان ولا مكان تفيض من رباها الفضائل لتحارب الانحراف، وتكون المثل الأعلى للإنسانية جمعت فيها فضائل الرسل ليكون الإمام الحسين وارث الأنبياء، من يتخلف عنه كما قال «من تخلف عني لم يبلغ الفتح»، ليس في موقعة كربلاء، بل في كل زمان ومكان، لتبقى مؤثرة في وجدان الإنسانية.

المجالس الحسينية اليوم تخلد هذه المسيرة، ويتشرف الجميع بحضور هذا المحفل المقدس ليحيوا فيه القلوب، ويشاركون في العزاء مع حضور أئمة أهل البيت والسيدة فاطمة الزهراء وملائكة السماء كلا ينادي يا ليتنا كنا معك يا سيد شباب أهل الجنة يتذكرون المنادي ينادي «حب الحسين أجنني» والأرجوزة الشهيرة:

يا نفس من بعد الحسين هوني

وبعده لا كنت أن تكوني