آخر تحديث: 3 / 8 / 2025م - 11:28 م

الشيخ عبد الحميد الخطي: عالم وفقيه وشاعر من القطيف

عاطف بن علي الأسود *

النشأة والتعليم

وُلد الشيخ عبد الحميد بن علي بن مهدي بن كاظم الخنيزي في 20 أغسطس 1913 م في القطيف، شرق السعودية. نشأ في أسرة محافظة وعُرفت بحبها للعلم والفقه، مما كان له أثر عميق في توجهه العلمي منذ الصغر. بدأ تعليمه الأولي في حلقات القرآن والعلوم الإسلامية في بلدته، ثم انتقل إلى النجف الأشرف في العراق، أحد أهم مراكز العلم الشيعي، حيث درس العلوم الدينية المتقدمة.

في النجف، تلقى العلم على يد عدد من أعلام الفقه الشيعي مثل السيد حسين الحمامي، والشيخ عبد الكريم الزنجاني، بالإضافة إلى أسماء بارزة أخرى كالشيخ علي الجشي والسيد محسن الحكيم. كانت فترة دراسته تمتد لأكثر من عقد، خلالها تعمق في الفقه، أصول الفقه، الحديث، التفسير، الفلسفة، والمنطق.

المسيرة العلمية والقضائية

بعد انتهاء دراسته، عاد الشيخ عبد الحميد إلى القطيف حيث أسندت إليه مهام القضاء في محكمة الأوقاف والمواريث عام 1395 هـ «حوالي 1975 م». تميز في عمله القضائي بقدرته على الجمع بين دقة النصوص الشرعية والمرونة التي يتطلبها الواقع الاجتماعي، وهو أمر نادر في القضاء الشرعي آنذاك.

كان قاضيًا عادلًا يُقدر احترام الناس لعدالته وحنكته، حيث شغل هذا المنصب لأكثر من عقدين، مؤثرًا بشكل مباشر في تطوير عمل القضاء الشرعي في المنطقة.

الإبداع الأدبي

لم تقتصر مكانة الشيخ عبد الحميد على القضاء والفقه فقط، بل كان شاعرًا وأديبًا ذائع الصيت في الوسط الثقافي القطيفي. له ديوان شعري متنوع يغطي موضوعات دينية واجتماعية وإنسانية. من أشهر مؤلفاته:

• من وحي الثلاثين

• اللحن الحزين

• من كل حقل زهرة

• خاطرات الخطي

• معركة النور مع الظلام

كانت أشعاره تعبر عن صراعات روحية وفكرية، كما كانت تلامس هموم الناس وأحاسيسهم بطريقة راقية وجذابة.

أثره في القضاء

كان الشيخ عبد الحميد الخطي قاضيًا متميزًا بقدرته على التوازن بين النصوص الشرعية والظروف الاجتماعية المعاصرة، مما جعله شخصية فريدة في القضاء الشرعي بالقطيف. في زمن كان يتطلب فيه المجتمع حلولًا مرنة وعادلة، استطاع الشيخ أن يدمج بين الصرامة الشرعية والرحمة الإنسانية.

من أبرز ملامح تأثيره القضائي:

• العدل النزيه: اشتهر بحكمه العادل والنزيه، حيث لم ينحاز لأحد، واعتُبر من القضاة الذين حافظوا على استقلاليتهم ونزاهتهم.

• المرونة الاجتماعية: كان ينظر إلى القضايا بعين رحيمة، مراعيًا الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأطراف، ما جعل أحكامه أكثر قبولًا وساهم في تخفيف التوترات الاجتماعية.

• التوعية القانونية: لم يكن دوره محصورًا في إصدار الأحكام فقط، بل كان يبادر إلى نشر الثقافة القانونية والفقهية بين الناس، مما عزز من فهم المجتمع لأحكام القضاء الشرعي.

أمثلة من أشعاره التي تعكس روحه الإنسانية والاجتماعية

تميزت أشعار الشيخ عبد الحميد بطابعها الإنساني والوجداني، ومنها:

• قصيدة عن العدل والحق: تناول فيها أهمية العدل في بناء المجتمعات السليمة، وأكد أن الحكم بين الناس هو مسؤولية عظيمة لا تحتمل الخطأ أو الظلم.

• قصائد عن الصبر والتسامح: شجّع الناس على التحلي بالصبر عند المصاعب، والتسامح في العلاقات الإنسانية، معبراً عن روح التسامح الدينية والاجتماعية.

• أشعار تتحدث عن قيمة العلم: حث فيها الشباب على طلب العلم والسير على خطى العلماء، معتبرًا العلم طريق الفلاح والتقدم.

الآثار الإيجابية في المجتمع

من خلال عمله العلمي والقضائي، وتراثه الأدبي، ترك الشيخ عبد الحميد الخطي بصمة إيجابية في المجتمع القطيفي، مثل:

• تعزيز الثقة في القضاء: حكمه العادل وسلوكه النزيه ساعدا في رفع مستوى الثقة بين الناس في النظام القضائي، مما ساهم في استقرار المجتمع وتقليل النزاعات.

• نشر القيم الأخلاقية: كان مثالًا حيًا للأخلاق الإسلامية التي دعا إليها في أحكامه وشعره، وهو ما دفع الناس إلى الاقتداء به في حياتهم اليومية.

• الاهتمام بالشباب: من خلال تشجيعه المتواصل لهم على طلب العلم والمشاركة في العمل الخيري والاجتماعي، ساهم في بناء جيل واعٍ قادر على مواجهة تحديات الحياة.

• التسامح والتعايش: كان له دور فعال في تقريب وجهات النظر بين مختلف مكونات المجتمع، ما ساعد على تحقيق تماسك اجتماعي مهم في بيئة متنوعة.

الوفاة والإرث

توفي الشيخ عبد الحميد الخطي في 8 أبريل 2001 م بعد معاناة مع مرض سرطان الكبد، ودفن في مقبرة الخباقة في القطيف. ترك إرثًا علميًا وأدبيًا واجتماعيًا خالدًا، وما زال يُعتبر من الرموز البارزة في تاريخ القطيف الحديث.

خلاصة

الشيخ عبد الحميد الخطي كان أكثر من عالم وقاضٍ، فهو رمز للعدل، والرحمة، والعلم، والإبداع. مسيرته الحافلة تحمل دروسًا في كيفية التوازن بين الأصالة والتجديد، بين الشريعة والواقع، وبين العلم والأدب، ليظل اسمه منارة تلهم الأجيال القادمة


دراسات عليا اقتصاد صحي