آخر تحديث: 7 / 8 / 2025م - 12:42 م

الصفار والقلق من الآخر

حسين علي حسين

تعرفت على سماحة الشيخ حسن موسى الصفار منذ سنوات في مناسبة اجتماعية بمدينة الرياض، ولعل ما لفت نظري إليه في ذلك اللقاء، روحه السمحة السامية، وحيويته وقبوله، وهو رجل الدين، لكل الشرائح الاجتماعية، التي قد ينتمي بعض أفرادها لتيارات فكرية أو عقائدية، ممن يتحفظ في لقائهم رجل الدين أو الفقيه التقليدي. يُضاف إلى ذلك حواره الحر المنطلق الهادئ حتى مع من يختلفون عنه اجتماعياً أو فكرياً أو عقائدياً أو مذهبياً.

ومع أنني لست فقيهاً أو مهتماً بأمور العقائد، إلا أنني لمست وأنا ألتقيه بعد تلك المناسبة، في كل مجلس أو محاضرة، دعوته بل حرصه على الحث على التقارب الإنساني، وألا تكون الاختلافات أو التباينات الفكرية أو المذهبية أو العرقية أو المناطقية، حاجزًا أو سببًا للتفرقة والعزلة بين أبناء الوطن الواحد.

وكانت محبة الوطن والولاء له حاضرة على الدوام في خطابه ومشاركاته الدينية أو الثقافية أو الاجتماعية، وكان حريصاً على التواصل مع الجميع، مهنئًا أو مواسيًا أو داعمًا للعاملين في الحقول العلمية والثقافية والاجتماعية. إنه يشعرك عندما تلتقيه بأنه لا فواصل بينه وبين قاصدي مجلسه من كافة الشرائح الاجتماعية أو الثقافية أو العلمية.

وإلى ذلك فإن الشيخ حسن الصفار يملك رؤى فكرية حضارية هادفة في دراساته ورؤاه الفقهية، يحرص على العمل عليها ونشرها من خلال المحاضرات والمؤتمرات واللقاءات الاجتماعية وخطب الجمعة. إن هذه الرؤية، من المنظور العام، تختلف عن خطابات رجال الدين أو الفقهاء التقليديين أو المحافظين الذين تقتصر جهودهم على الاهتمام بالأمور الفقهية، بينما نجد أن الشيخ الصفار كان وما يزال مهتماً، إلى جانب رسالته الفقهية، بما يعانيه المجتمع بكافة فئاته من العديد من القضايا والمشاكل الاجتماعية، مثل الخلافات الزوجية ومشاكل الشباب وحثهم على طلب العلم والقراءة، وكذلك الحث على المشاركة الاجتماعية والتوعية بأضرار المخدرات والسهر والقطيعة العائلية. ولم يكتف سماحته بالمشاركة في المناسبات العامة وإلقاء المحاضرات وإمامة الصلاة، فطروحاته العلمية والفقهية والاجتماعية والثقافية موجودة في عشرات المؤلفات التي يرفد بها بانتظام الساحة الثقافية، وهي مؤلفات تناقش بلغة عربية فصيحة واضحة كافة القضايا التي تشغل الساحات الثقافية والاجتماعية.

وأمامي وأنا أدون هذه السطور كتاب ”القلق من الآخر“ وهو كتاب صغير الحجم بالغ الأهمية، ضم بين دفتيه محاضرة ألقاها سماحته في ”أحدية المبارك“ التي كانت تعقد على مدى سنوات في منزل الدكتور راشد المبارك أسبوعيًا، رحمه الله. وقد كنت موجودًا أثناء إلقائه لهذه المحاضرة التي شهدت حضورًا مكثفًا وتعليقات ضافية لحساسية الموضوع الذي تطرق له الشيخ الصفار، وهي العلاقة التي قد تكون قلقة أو متوترة بين المنتمين لمذاهب وعرقيات مختلفة مع أنهم من وطن واحد. وقد جاء على الغلاف الأخير من هذا الكتاب أو المحاضرة، تعليق بالغ الدلالة لمعالي الدكتور جميل الحجيلان قال فيه: ”قدر لي أن أحضر أمسيتين من أمسيات الأحدية. حاضر في الأمسية الأولى منهما الشيخ حسن الصفار، العالم الشيعي الرزين، الذي حمله صدق المواطنة، لأن يجعل في تلك الأمسية، من البحث في موضوع متفجر شائك، وسيلة لإجهاض مواقف التشنج، والدفع جانبًا بالمبالغة والغلو، ودعوة المتجادلين للالتقاء على حب الوطن، وقطع الطريق على الجهالة والنية المشبوهة“. ولأن الزمن الذي ألقيت فيه تلك المحاضرة غير الزمن الذي نعيش فيه الآن، فقد شهدت المحاضرة مداخلات كثيرة غاب عن بعضها سعة الأفق والموضوعية، والشيء الجميل أن رؤية الشيخ حسن الصفار لم تتغير منذ ذلك الوقت. ومن يتابع محاضراته ومقالاته وأبحاثه التي صدرت في مؤلفات قد تصل إلى المائة سوف يجد أنه ليس أمام فقيه فقط، لكنه أمام عالم وخطيب ومفكر ومصلح اجتماعي وثقافي يحث باستمرار على الحوار والمشاركة العامة والمكاشفة، وهي رؤية القصد منها التقليل قدر الإمكان مما أطلق عليه ”القلق من الآخر“، وهي حالة إنسانية عامة موجودة في كافة الدول والبيئات، وخير ضابط لها التسامح وسعة الأفق وسن القوانين وعدم التمييز في توفير الحاجات.

وللشيخ حسن الصفار كتاب آخر ناقش من خلاله بعض جوانب العاطفة الإنسانية ككتاب: ”فلسفة العاطفة الدينية“، ومن ضمنها أو من أهمها العاطفة الدينية، حيث يرى أن ”إحياء المناسبات الدينية، وتجديد ذكرى الرموز والقيادات الدينية، من أهم روافد تنمية العاطفة الدينية في نفوس أجيال الأمة، لذلك تحتفي معظم المجتمعات الإسلامية بذكرى المولد النبوي الشريف، وذكرى الإسراء والمعراج، وذكرى غزوة بدر الكبرى، كما اعتمد حدث الهجرة النبوية بدايةً للتاريخ الإسلامي“، وهو يقول بأهمية العاطفة الدينية وضروريتها، مع شرط أساسي أن لا تجنح هذه العاطفة بصاحبها نحو الغلو في غير الأساسيات من الدين، مثل إحياء مناسبة عاشوراء وموالد ووفيات الأئمة والموالد التي يحرص على إحيائها من لديهم ميول صوفية في بعض المذاهب الإسلامية.

والشيخ الصفار من القلة المشتغلين في الشأن الديني الذين يحرصون أن يضم مجلسهم كُتّابًا ومثقفين وعلماء وفقهاء من كافة الدرجات والتوجهات، وهو رجل منحه الله روحاً منفتحة متسامحة. أقول هذا الكلام المختصر عن سماحته من واقع لقاءات متعددة جمعتني به في منزله ومنزلي وفي كثير من المناسبات.