الدين ليس وسيلة للربح والشهرة
في مشهدٍ يتكرر بشكلٍ بات من المهم الانتباه له ولضرره البالغ، يعتلي بعض الدعاةِ منابر المساجد أو المآتم، كما برامج التلفاز ومنصات التواصل الاجتماعي، لا ليهتدوا بنور الدين وقيمه العليا التي جاءت الرسالة المحمدية الكريمة من أجل ترسيخها، بل ليستخدموه سلعةً تُدرُ المال وتمنح النفوذ! هؤلاء لا يحملون رحمانية الدين، بل يسعون لبناء جمهور يصفقُ لهم ويُمجِد، ويوفر حضورًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا أوسع، حتى لو كان ذلك على حساب وعي الناس وإيمانهم الحقيقي، وهنا مكمن الخلل الجسيم الذي يجب علاجه بشجاعة وحكمة.
الخطاب الديني عند هذا النوع من الوعاظِ ليس نصًّا أخلاقيًّا، بل أداة للسيطرة على القلوب والعقول لمصالح شخصية أو حزبية؛ متحولًا إلى وسيلة ترهيب أو تغرير تُحشد من خلالها العواطف ويُغيب فيها العقل، ويفقد الإنسان كينونته. بعضهم يروّجُ الخرافة، ويخلط الدين بالأسطورة، ويصنع من نفسه رمزًا لا يُسأل، وكأن صوت المنبر حصانة من النقد والمحاسبة! هذا التوظيف النفعي للدين يُفرغ الرسالة من مضمونها، فحين يتحوّل الخطيب إلى ”مؤثّر“ كما بقية ”المشاهير“ في شبكات التواصل الاجتماعي، يبحث عن التفاعل والانتشار أكثر من الحقيقة، يبتعد عن جوهر الدين القائم على الصدق والتجرد. والأخطر أن هذا الخطاب يغذي الانقسام والطائفية والتعصب في كثير من الأحيان، ويخلق مجتمعًا هشًّا، يتبع الرموز لا المبادئ، ويقدّس الأشخاص والأحزاب لا الفكرة السليمة، ويعمق التمذهب يوماً بعد آخر.
هنا، تقع مسؤولية كبرى على الجمهور، أن يكون بصيرًا وغير قابلٍ للتسطيح. فوعي الناس هو السدّ الأول أمام هذا الاستغلال الضار. لا يكفي أن تُعجب بالخطيبِ لأنه يتحدث بثقة أو يروي القصص المؤثرة! المهم أن نسأل: ما الذي يقوله، وما دقته، وما مصادره؟ هل يعزز العدالة ومكانة العقل؟ أم يدفع بنا نحو التبعية والجمود؟ الدين ليس وسيلة للربح ولا منصة للشهرة والتكسب الفج، ومن يحولهُ إلى ذلك، يسيءُ له ويجعله سلعةً بالية، والحفاظ على كنهِ الدين يبدأ من غربلةِ الخطاب السائد، وتمييز من يخدم الناس، ممن يخدعهم.