حرفة الكتابة «حلم الاعتراف العربي بالكتابة كصنعة»
الكتابة ليست مجرد كلمات على الورق، بل ممارسة لحياة كاملة، وهويّة مهنية وأدبية تُشكّل طموحنا الشخصي. في الغرب، كثير من الكتاب يدرسونها، يتدربون عليها، ويعاملونها كمهنة جدية. من خلال اطلاعي على الروايات والأدب الغربي، لاحظت أنهم يكتبون حتى القصص بالأجر، معتبرين الكتابة مصدر رزق أساسي، وليس مجرد شغف شخصي. أما في عالمنا العربي، فغالبًا تُعامل الكتابة الأدبية كهواية أو نشاط جانبي، ولا يُعترف بها كمهنة أساسية. ومع ذلك، هناك من يشعر داخله بأن الكتابة هي مهنته الحقيقية، وعقله يعرف أنها شيء مهم بالنسبة له، ولذلك يعود إليها مرارًا ليفكر فيها ويحللها من زوايا مختلفة.
الكتابة الأدبية في العالم العربي تواجه تحديات مختلفة عن كتابة المحتوى، على الرغم من أن كاتب المحتوى أصبح معترفًا به جدًا اليوم. كثيرون يحلمون بممارسة الكتابة الأدبية بشكل احترافي، ويبحثون عن طرق تجعل هذه المهنة جدية ومعترفًا بها رسميًا، بعيدًا عن أي قيود أو تصور أن الأدب مجرد هواية.
غياب الدعم الرسمي، محدودية سوق الكتب، وغياب برامج تعليمية متخصصة تجعل الكتابة الأدبية صعبة الاستمرار فيها كمهنة. ومع ذلك، هناك عقول وأرواح تُصر على العودة إلى هذا الموضوع بين فترة وأخرى، تبحث عن كيفية ممارسة الكتابة بجدية وبدون استحياء، لأنها تدرك أن الكتابة ليست مجرد نشاط عابر، بل جزء من هويتهم المهنية والأدبية ومصدر قوتهم الشخصية.
الكتاب الغربيون يدرسون، يتدربون، وينشرون باستمرار. يعرفون أن النجاح لا يأتي بالموهبة وحدها، بل بالانضباط، التدريب المستمر، والالتزام بمهنة الكتابة. من خلال اطلاعي على الروايات والأدب الغربي، لاحظت أنهم يكتبون حتى القصص بالأجر، وهذا يعطيهم الثقة في الاعتراف بأنهم يمارسون مهنة الكتابة بلا خوف أو خجل.
الدعم هنا يلعب دورًا أساسيًا؛ صحيح أن استمرار الكاتب هو ما يصنعه، لكن الدعم المؤسسي والمجتمعي يمكن أن يجعله يتفوق أضعافًا، ويضع على عاتقه رسالته ومسؤوليته، ويزيد ثقته بنفسه ويحفزه على تقديم أفضل ما لديه.
يمكننا أن نأخذ خطوات ملموسة لتغيير هذا الوضع في العالم العربي: برامج تعليمية متخصصة، اعتراف رسمي بالكاتب الأدبي كمهنة، دعم مؤسساتي للكتابة، وتشجيع سوق الكتب. لكن الأهم هو أن نبدأ داخليًا: الاعتراف بأننا نمارس الكتابة كمهنة جدية، وأن هذا ليس مجرد حلم، بل ممارسة مستمرة ومسؤولية شخصية.
في هذا السياق، تلهمنا تجربة الإعلامي والكاتب محمد العرب، الذي كتب على مدار ثلاثين عامًا في مهنة وُصفت بأنها ”مهنة من لا مهنة له“:
”لم أكتب سيرة ذاتية، ولم أحتفظ يوماً بواحدة، كنت أترك كل شيء حين يخفت شغفي، وأرحل كمن يترك خلفه بيتاً من رماد. لم تكن المهنة عندي وظيفة، بل عبور، ولم تكن المراحل سوى محطات في زمن أطول مني ومنهم. لا تُهدر عمرك في مطاردة المقاعد والصفوف، ولا تُغريك الأضواء التي تحرق أكثر مما تضيء. ابنِ أدواتك كما تُبنى الروح في العزلة، فالعالم لا يتبع الوجوه المؤقتة بل الأثر العميق. لا تكن تكملة عدد، ولا ظلاً في مسرح مزدحم؛ كن أنت المعنى، كن أنت السؤال الذي يسبق الصفوف جميعها. وحين تصبح الصفوف الأولى هي من تبحث عنك، ستدرك أن القوة ليست في أن تُرى… بل في أن تبقى.“
لكل من يشعر بالكتابة كدعوة حقيقية، لكل عقل يعود لهذا الموضوع بلا استراحة، لكل قلب يعرف أن الكتابة ليست مجرد كلمات، بل حياة: حان الوقت لنقول بصوت عالٍ أننا نمارس مهنة الكتابة بلا استحياء، وأنه يمكن للكتابة العربية أن تصبح مهنة محترفة ومعترف بها كما هي في كل مكان آخر في العالم، مع دعم يضاعف قدراتها ويعزز ثقة الكاتب بنفسه.