آخر تحديث: 25 / 9 / 2025م - 2:37 ص

مكتب تعليم القطيف: ذاكرة المجد التي لا تُغلق

سامي آل مرزوق *

صباح الوطن والحنين

في صباحٍ يختلط فيه الشوق بالأمل، نستقبل اليوم الوطني 95 وقد امتزجت فيه مشاعر الفخر بالحنين، فتتراقص الأعلام الخضراء في سماء القطيف، وتصدح الأناشيد الوطنية في كل شارع ومدرسة. خلف هذه البهجة، يقف شيء من الفقد، شيء من الذكرى، وأيامٌ مضت كانت فيها مدارس القطيف ومعها مكتب التعليم قلباً نابضاً بالحياة، وبيتاً للعلم والإنجاز، وملتقى للأحبة الذين صاغوا من التعليم حكاية تُروى، ومن العمل التربوي مسيرة تُحتفى بها الأجيال.

لقد كان مكتب تعليم القطيف، في عهده الذهبي، عنواناً للتميز، ومثالاً يُحتذى به في كيفية تحويل المدرسة إلى مساحة حياة، حيث تتلاقى الطموحات مع الإبداع، ويصنع كل معلم وموظف وطلاب الحكاية بأيديهم. لم يكن المكتب مجرد مؤسسة إدارية، بل كان مسرحاً للإبداع، ورئةً يتنفس منها كل من يريد أن يرى العلم عملاً وعطاءً واحتفاءً بالوطن.

القيادة والرؤية: أساس النجاح

تحت إدارة مديره السابق، عبد الكريم بن عبدالله العليط، برز المكتب كصرحٍ للتفاني والإتقان، إذ لم يبخل بالعطاء، وساهمت قيادته الحكيمة في وضع أسس قوية للنجاح، ورسم رؤية واضحة للبرامج التعليمية، واحتفالات اليوم الوطني، والمبادرات العلمية والثقافية والفنية.

لقد كانت سنواته محطةً للإبداع، وسجلاً حافلاً بالإنجازات، تاركاً إرثاً زاهراً استلم على أكمله، عبدالله بن علي القرني، الذي أكمل المسيرة بعزم وإبداع وبصيرة نافذة، متحدياً للصعاب، راسماً خارطة طريق سار عليها الجميع تحت قيادته الملهمة بثبات وإخلاص منقطع النظير، ووبإنجازات طموحة، وقف على أثرها القاصي والداني، مدعوماً بفريق عمل مخلص من المساعدين، وفريق وحدة النشاط الطلابي، ووحدة الإعلام والاتصال المؤسسي، بالإضافة إلى الأقسام واللجان التي ساهمت بمحبة وإخلاص في إنجاح كل فعالية ومناسبة.

منصة الإبداع: حيث تتلاقى المواهب

لم يكن المكتب مكاناً للإدارة فقط، بل كان منصة للتجربة والابتكار، حيث تتنافس المدارس في الإبداع العلمي والأدبي والفني، وتضيء المختبرات بابتكارات الطلاب، ويعلو المسرح بصوت المواهب الصاعدة، وتتنقل الألوان واللوحات والإبداعات من قاعة إلى أخرى، كل ذلك بإشراف وتخطيط دقيق.

كانت وحدة الإعلام تعمل بلا كلل، توثق الأحداث، تُبرز الإنجازات، وتنتج محتوى إعلامياً مميزاً يظهر روح المكتب ويدعم رسالته، بالتعاون الوثيق مع وحدة النشاط وجميع الأقسام واللجان، لتصبح كل مناسبة لوحة لا تُنسى. المعارض العلمية والمهرجانات الإبداعية والأنشطة البحثية والفنية كانت مسرحاً لكل طالب وموهوب ليثبت وجوده، ولتحقق للمعلم والمبدع الاعتراف والتقدير، فكان الاحتفاء بهم عادة سنوية تذوب فيها القلوب من الفخر والاعتزاز.

المشاريع والابتكارات: أفكار صغيرة.. إنجازات كبيرة

من المشاريع الابتكارية في الزراعة المائية، والمكيف الدوار، والمفاتيح الذكية، إلى بوابات التعقيم والمحركات المائية، كانت كل فكرة صغيرة تتحول إلى إنجاز كبير يشهد على موهبة الطلاب وإصرارهم.

ولم يكن العمل محصوراً في النشاط الطلابي فحسب، بل امتد إلى رفع مستوى التحصيل العلمي، من خلال حقائب التدريب للاختبارات الوطنية مثل ”نافس“، ودعم فصول الموهوبين، وتشجيع البحث العلمي والمبادرات التطويرية، كل ذلك بحب واهتمام لا يُضاهى.

روح التعاون: العطاء الذي لا يعرف الكلل

لقد شكلت إدارة المكتب، على مر السنوات، جسراً بين الإبداع والاحترافية، بين التخطيط الدقيق واللمسة الإنسانية. فكل احتفال وطني، كل أمسية شعرية، كل حوار طلابي، وكل مشروع علمي أو ثقافي، كان ثمرة تعاون متكامل بين الإدارة والمعلمين والطلاب ووحدة الإعلام ووحدة النشاط ولجنة المناسبات، وكل الأقسام واللجان التي أسهمت بمحبة وإخلاص، لتصبح هذه الإنجازات إرثاً يفتخر به الجميع.

الإغلاق: نهاية مؤسسة.. وبداية ذكرى

وعندما جاء خبر إغلاق المكتب، كان وقع الصدمة عميقاً، كأن جزءاً من الروح قد فُقد، وتفرق الأحبة الذين جمعهم حب التعليم والإنجاز. لكن على الرغم من إغلاق الأبواب، لم تُغلق الذكريات، ولم تُمحَ الإنجازات، وظل تأثير المكتب حاضراً في كل مدرسة، في كل طالب، وفي كل قلب أحب العلم والتعليم، لتبقى روحه خالدة في نفوس الجميع.

اليوم الوطني: استحضار الذكريات

اليوم، ونحن نستقبل اليوم الوطني بقلوب مفعمة بالفخر والحنين، نستحضر كل تلك الأيام، نستعيد ضحكات الزملاء، سهر الليالي في التحضير، لحظات الفرح عند تكريم الطلاب، واندفاع الخطى في إعداد البرامج والمهرجانات. نستعيد حماسة وحدة الإعلام، وإبداع وحدة النشاط، وتعاون الأقسام واللجان، وكل من ساهم بمحبة في جعل كل مناسبة تجربة لا تُنسى. نتذكر كل احتفال وطني، كل مسابقة علمية أو أدبية، كل مشروع ابتكاري خرج من مختبر، كل مهرجان ثقافي وفني، وكل أمسية شعرية، وكل نشاط ريادي، كان المكتب سنداً وداعماً، والطاقم كله صفاً واحداً يصنع المعجزات.

المجد الذي لا يغلق

وعلى الرغم من إغلاق الأبواب، يبقى جوهر المكتب حياً في الذكرى والوفاء، في كرامة الإنجازات، في فخرنا بأننا كنا جزءاً من هذا الصرح. فالعلم لا يُقفل، والابتكار لا يموت، وحب الوطن لا يكل ولا ينطفئ، وستظل أيام المكتب، بذكريات موظفيه ومعلميه وطلابه، علامة مضيئة في تاريخ التعليم السعودي، وذاكرة جماعية تُعلم أن العطاء الحقيقي لا تحدّه جدران، وأن الوفاء أقوى من الغياب.

سلام على تلك الأيام، سلام على كل قلب أحب التعليم وعاش للوطن، سلام على مكتبٍ رحل بجدرانه لكنه بقي في أرواحنا حياً نابضاً، يُعلمنا أن المجد لا يُغلق، وأن روح التعليم الحقيقية باقية، تُنير الدروب لكل من يسعى لرفع راية العلم، وتذكرنا بأن الإرث الذي يصنعه الإنسان بإخلاص يبقى خالداً مهما تغيرت الظروف.