آخر تحديث: 25 / 9 / 2025م - 2:37 ص

حين يعانق النحل المانجروف.. خمس سنوات من العطاء

عميد أبو المكارم *

في رحلة امتدت لخمسة أعوام، رسمت المملكة العربية السعودية قصة نجاح ملهمة في المنطقة الشرقية، عبر مبادرة إدخال النحالين إلى غابات المانجروف، لتجمع بين حماية البيئة وتعزيز الاقتصاد الأخضر في تناغم فريد يعكس روح رؤية المملكة 2030.

منذ انطلاق المبادرة الأولى في 2021، حظينا برعاية واهتمام كريمين من صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبد العزيز، أمير المنطقة الشرقية، الذي دعم هذا التوجه إيمانًا منه بأهمية التوازن بين التنمية الاقتصادية وصون الموارد الطبيعية. وقد شكّلت هذه الرعاية دعمًا أساسيًا لمواصلة العمل وتحويل الفكرة إلى إنجاز وطني مشهود.

الأرقام التي أعلنها ملتقى دور النحالين في التنمية تكشف عن نتائج مبهرة؛ إذ أنتجت 24,782 خلية نحل في مناطق الغطاء النباتي ما يقارب 35 طنًا من العسل، فيما تمكنت 4,000 خلية فقط من إنتاج نحو 20 طنًا في بيئة المانجروف. هذه المفارقة اللافتة أكدت أن المانجروف ليست مجرد أشجار ساحلية، بل كنز استراتيجي مضاعف القيمة إذا ما استُثمر بشكل مستدام.

وراء هذا النجاح الكبير وقفت منظومة متكاملة من الجهات؛ فقد كان المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي ومكافحة التصحر قائدًا للمبادرة عبر إدخال النحالين بخلاياهم وآمالهم إلى مراعي النحل في غابات المانجروف بالساحل الشرقي، وأسهمت وزارة البيئة والمياه والزراعة بالمنطقة الشرقية في تقديم الدعم الفني والإرشادي للنحالين. كما لعب قطاع حرس الحدود بالقطاع الشرقي دورًا حاسمًا في حماية المناطق الساحلية وضمان استقرار بيئة المانجروف، ما وفّر الظروف الملائمة لتكاثر النحل وإنتاج العسل.

أما النحالون فقد كانوا شركاء فاعلين في هذا النجاح، إذ لم يقتصر دورهم على الإنتاج، بل انخرطوا في حماية البيئة البحرية والساحلية، مستفيدين من الميزة النسبية لوجود غابات المانجروف على الساحل الشرقي، وحوّلوا هذا المورد الطبيعي إلى مصدر إنتاج عسل سعودي مصنف ضمن الأجود عالميًا، بما يحمله من قيمة غذائية وعلاجية عالية.

هذه المبادرة لا تمثل مشروعًا بيئيًا فحسب، بل هي قصة وطنية تعكس التزام المملكة بالاستدامة، ومساهمتها في مواجهة تحديات التغير المناخي، وتنويع مصادر الدخل، وخلق فرص عمل للشباب السعودي الطموح. إنها أنموذج للتكامل بين الجهات الحكومية والمجتمع، يجمع بين رفاه الإنسان واحترام الطبيعة.

وأنا أكتب هذه الكلمات، أشعر بالفخر أنني كنت شاهدًا على لحظة تاريخية، حين همست أجنحة النحل لأزهار المانجروف، لتخطُ معًا حكاية وطن يزرع المستقبل بوعي، ويحصد ثمارًا من ذهب.