وطننا عزنا
مما لا شك فيه أن المفاخرة والمباهاة والمحبة للوطن لدى المخلصين من الرجال والنساء هو من صلب الإيمان، لا ريب كما يتكون ذلك الأمر من مجموعة سلوكيات عاطفية وفطرية نابعة من عمق المشاعر والأحاسيس الصادقة التي يكنها هؤلاء المواطنون تجاه الارتباط الثابت والوثيق بأرض بلادهم، ومسقط رأسهم، والناتج بشكل أساس عن الانتماء الوجداني والاجتماعي والثقافي؛ حتى تتضح جليًّا التضحية والمثابرة لرفعته، والذود عنه بصورة صادقة ومؤثرة، وأن نسهم جميعًا في حمايته وصيانته وحفظه عما يمارس من أفعال معيبة ومشينة من أناس متحينين متربصين ومارقين عن الرشد وتائهين عن جادة الحق والصواب تجاه خدمة البلاد والعباد.
وبما أننا على أعتاب مناسبة عظيمة على قلوبنا نحن السعوديين وهي عيدنا الوطني الخامس والتسعين والذي يصادف الثالث والعشرين من سبتمبر للعام ألفين وخمس وعشرين ميلادية الموافق غرة ربيع الآخر ألف وأربع مئة وسبعة وأربعين من الهجرة، وبحلول ذلك الموعد المرتقب ذات التاريخ التليد يتوجب علينا الاستعداد لهذا الحدث المهيب والوقوف جميعًا بعز وشموخ عندما نستذكر ذلك الإرث المجيد الذي بناه وأسس له الملك الراحل عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ورجاله الأوفياء رحمهم الله جميعًا وطاب ذكرهم وثراهم.
فهم من بدأ تلك المسيرة المباركة والتي منها انبثقت بشائر الخير، والعطاء بعد أن عانوا ما عانوه من مصاعب وشدائد ومشاق، محتسبين وصابرين في سبيل البارئ جل شأنه، فأمدهم سبحانه بعونه وتأييده حتى تجاوزوها بالكفاح والنضال والإخلاص لله أولًا ومن ثم لتراب الوطن وما يحويه من مقدسات ومكتسبات، وبعدها كنا على موعد بتحقيق المراد فتوحدت البلاد وهي من هِبات رب العزة والجلال، فالحمد لله على جزيل نعمه ومننه وكثرة جوده وإحسانه وهداياه.
وعلى مر العقود المنصرمة ومنذ إعلان التوحيد الميمون لجميع أجزاء تلك الأرض المباركة تمكنت مملكتنا المصونة أن تكون ذات قدرة ومتانة لا يستهان بها خليجيًّا وعربيًّا وعالميًّا، وكذلك حضاريًّا بل وفي كافة الميادين المهمة والحيوية اقتصاديًّا وثقافيًّا وعلميًّا، ناهيك عن المكانة الدينية التي تختص بها عن سواها من الدول باعتبارها قبلة المسلمين ومهبط الوحي والتنزيل، وقد شرفها الله جل في علاه بالبيت العتيق ومرقد الرسول الأمين محمد عليه أفضل السلام وأتم التسليم.
وبالتالي فرضت الهيبة والمنزلة والمكانة لما برز جليًّا من القادة الأبرار لهذه البلاد المقدسة تجاه العالم أجمع ومن قدرة بارزة وفائقة على إظهار حسن الاتزان والحكمة في المواقف، وإبداء الآراء السديدة والمشرفة نحو الدول والبلدان والشعوب قاطبة، لما لها من أدوار ثقيلة وازنة وفاعلة لإحلال السلام ونبذ الصراعات بجميع تعدداتها بين الشعوب على وجه العموم.
وقبل إسدال الستار وإنهاء هذا المقال المتواضع لا بد أن يكون لما تحقق من روائع التطور والنمو والازدهار نصيب من الحديث، نعم فللوطن حق على جميع أبنائه أن يفخروا بما تم إنجازه من تقدم وتحول ورقي والانتعاش على كل الأصعدة والمستويات واختلاف المجالات والنطاقات فشهد الوطن تطورًا مذهلًا منذ فترة ليست بالقصيرة.
ابتداء من توحيد البلاد والاعتماد على النفط ومشتقاته حتى بلغنا لحظة الانطلاقة المفصلية لرؤية المملكة 2030 التي تسعى أولًا لاستثمار عقل الإنسان لتمكين وتطوير المواطن السعودي ليكون مقتدرًا ليتبوأ مواقع قيادية يكون فيها متميزًا ومتفوقًا ورائدًا لخدمة بلاده بكفاءة عالية، حتى الذهاب إلى تعدد الاقتصاد وتثبيت الاستدامة وبناء وتشييد البنى التحتية وتوسيع المشاريع التعليمية العملاقة ودعم القطاعات الصحية وتنويع مصادر الدخل بتوفير فرص جديدة بعيدة كليًّا عن الاتجاه النفطي، ودعم شركات ومؤسسات القطاع الخاص والسعي ما أمكنَ لتصبح المملكة وجهة سياحية عالمية كما هي بالفعل بوجود الفعاليات الثقافية والترفيهية والرياضية المتنوعة.
وختامًا عزيزي المواطن وبهذه المناسبة المجيدة السعيدة نقول: يحق لنا أن نعتز ونتشرف بماضينا الأصيل ونحتفي بحاضرنا المشرق والمضيء طامحين لغد أكثر تألقًا وإشراقًا وسطوعًا، فلك يا أغلى وطن كل التقدير والاحترام والتبجيل والوقار. وبهذه المناسبة العظيمة وفي هذا اليوم المبارك نتقدم بأصدق وأحر التهاني والتبريكات للقيادة الرشيدة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وإلى سمو ولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان آل سعود حفظهما الله جميعًا وسدد لطريق الحق خطاهما، وجعلهما للوطن ذخرا وعونًا وللأمة العربية والإسلامية قوةً وسندًا ودعمًا.
ونؤكد ختامًا: كل عام ومليكنا بصحة وعافية، وكل عام والوطن بمجد وسمو وعلو، وكل عام وشعبنا السعودي الأبي في نعمة ورخاء ورغد ويسر، وكل عام والأمة السعودية محفوفة برعاية الله وحفظه ورضاه.