صنفان لا ثالث لهما
هناك صنفان من البشر، صنف ما أن تلتقيه حتى تسعد برؤيته وتشعر براحة نفسية، ويخلق في وجدانك الحب والثقة والأمان، وتجد منه تعاطفًا ودعمًا لا حدود له في أي تجربة تخوضها، ويساعدك على حل أي مأزق وقعت فيه، وكأنه الناصح الأمين الذي يسهل عليك أي أمر عصيب وقعت به، يشاركك في إيجاد الحلول المناسبة له، بل يخوض الغمرات بقلب منفتح ومسرور كي يكون جسرًا قويًا لك في تخطيها، مادية كانت أو معنوية، باذلًا كل ما يمكن من إمكانيات لتقف صامدًا في مواجهة العقبات والنكبات، فيكون نعم الأخ ونعم المعين، حيث قيل: لا تعرف الأخوة الصادقة إلا وقت الأزمات، وقد يكون بالنسبة لك أقرب الناس إليك حتى من شقيقك المنتسب إليك أبًا وأمًا.
وقد صدق المثل القائل: ”ورب أخٍ لك لم تلده أمك“. وعلى الضفة الأخرى صنف يحمل الحقد والضغينة في نفسه لأسباب ليس لك دخل فيها سوى إنّك تنتمي إلى عائلة أو علاقة أو صداقة بأناس لا يطيق بهم ذراعًا ولا ودًا لإشكال ما أو اختلاف في وجهات النظر بينه وبينهم هو لا يراها صائبة، أو تنازع عائلي أو مادي لم يكن لك يد فيه لا من قريب ولا من بعيد، فيصب جام غضبه عليك من خلال وجهه الشاحب أو تصرّف غير لائق في حقك، وما يضمر في جنبات قلبه هو أعظم من ذلك، حيث يتمنى لك أن تغرق في مشكلة أو إشكال ما حتى يرضي غرور نفسه المليئة بالأحقاد، فتلحظ كل ذلك من خلال تصرفاته السلوكية أو من خلال كلماته النابية في حقك بسبب أو من غير سبب.
وقد شخص إمامنا علي هذه الحالة عندما قال: ”ما أضمر أحدٌ شيئًا إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه“.
وهذا هو الواقع المرير والأليم من هذه الأنواع من البشر، ولكن كما قيل: ”لو خلت خربت“، ولا يصح إلا الصحيح، فما زالت الآمال والأمنيات تجد لها طريقًا فيما ذكرنا آنفًا من أولئك البشر ذوو الصنف الأول الذين ما زالت الحياة تزخر بهم قولًا وفعلًا، وهم عناوين بارزة ستظل باكورة خصالهم شاهدة عليهم حتى يرث الله الأرض ومن عليها… والسلام ختام.