الهوية البصرية للمدن.. بين حصار الزجاجية والألوان القاتمة
تظل بعض المدن لها تميزها وسحرها وجمالها الذي لا يشبه جمال مدينة أخرى. هناك عوامل طبيعية تضفي على المدن رونقها الخاص، العوامل الطبيعية قد لا يكون للإنسان أي دور فيها سوى المحافظة عليها والعناية بها، لكن هناك العنصر الإضافي وهو المباني بأنواعها التي تحويها المدن، وتشكل الجزء الإنساني المهم فيها.
المباني المهمة ومواقعها المميزة والبارزة في المدينة لها تأثير كبير في رسم صورة بصرية تعبر عن المخزون الثقافي والتراثي للمدينة، فكما يتم مراعاة شكل المبنى، كذلك اللون له تأثيره ورمزيته المرتبطة بالتراث والعمارة المحلية. هذه المباني التي تؤثر «سلبًا وإيجابًا» على المدينة، يؤثر فيها ثلاث جهات رئيسية هي: التشريعات التنظيمية والسلطة التخطيطية، والمطور العقاري، ثم الجهة المالكة للمبنى.
هذه الجهات الثلاث بإمكانها أن تجد الحلول المناسبة لمشكلة مركبة وهي: ترك هوية المباني الرئيسية والتي تقع على الطرق المهمة داخل المدينة دون ضوابط تحمي الهوية البصرية للمدينة. إنّ حماية الهوية البصرية والمشهد الحضري ليس فقط في إزالة مكب هنا أو تجمع لبعض المخلفات هناك، فمع كل التقدير للأذواق والميول الشخصية، تحتاج المدن للحفاظ على هويتها البصرية أيضًا، إلى مراعاة شكل المباني وألوانها، سيما تلك المباني العالية وتلك التي تقع في مواقع مميزة لا تخطئها العين.
عالميًا هناك أربع مصادر رئيسية لاحتفاظ المدن بالحرارة، وهي: الأسفلت والمباني العالية والواجهات الزجاجية والألوان القاتمة للمباني. والحلول المستخدمة لها هي: زيادة الرقعة الخضراء، التحكم في تصميم المباني لتدوير الهواء، أما بالنسبة للواجهات الزجاجية التي تنتج ما يسمى بـ ”الجزر الحرارية في المدن“ وكذلك الألوان القاتمة للمباني فهي ليست مشكلة لدى المدن الباردة، بل هي حل لمشكلتها باعتبارها أحد وسائل التدفئة نتيجة انعكاس أشعة الشمس على الواجهات الزجاجية للاستفادة من أشعتها الشحيحة لديهم.
يبدو أن الخيار الأنسب حاليًا وللفترة القادمة عندما يتم وضع سياسة تهتم بالمباني التي تترك أثرًا بصريًا وتأثيرًا على هوية المباني في المدينة، هو اتباع أسلوب الدمج ما بين العناصر، أي خلق توليفة بنسب معينة تجمع ما بين العناصر التراثية والأصالة ذات البعد العملي في البناء مثل الاعتماد على درجات الألوان البيضاء وتوظيف العناصر الهندسية التراثية المناسبة للمباني العالية وبين العناصر الحديثة التي تعبر عن الحداثة والتحديث في أساليب البناء. هذا الأسلوب الذي يجمع بين الاثنين سيزيل الرتابة «التي قد يراها البعض» في الأنماط التراثية، وكذلك يعمق الاستفادة من مزايا العناصر الحديثة ويتجنب سلبياتها على البيئة أو الهوية البصرية، بحيث تكون العناصر الحديثة هي عناصر إضافية ”أي تضيف قيمة إضافية للأصل“ وليست العنصر الأساس في المبنى الذي قد يبدو مستنسخٌ من عدة نسخ مكررة في كل مكان.